حالة من الترقب وعدم الرضا تسود أروقة الشارع المصري تجاه التداعيات الاقتصادية السلبية والآثار التضخمية القوية المتوقعة عقب قرار لجنة تسعير المنتجات البترولية بتحريك سعر السولار والبنزين بأنواعه، اعتباراً من الخميس الموافق 25 تموز (يوليو)، وذلك للمرة الثانية منذ توسيع صندوق النقد الدولي برنامج قروضه للبلاد بخمسة مليارات دولار في آذار (مارس)، وتعهّدت مصر بخفض دعم الوقود في إطار اتّفاقها مع الصندوق.
وبحسب قرار اللجنة فإنه تقرر رفع أسعار البنزين والسولار، بنسب تتراوح بين 10 إلى 15% أو ما يعادل 1.25 إلى 1.5 جنيه، ليرتفع قيمة لتر بنزين 80 بعد الزيادة إلى 12.25 جنيه، وسعر لتر بنزين 92 بعد الزيادة 13.75 جنيه، وسعر لتر بنزين 95 بعد الزيادة 15 جنيهاً، وسعر لتر الكيروسين بعد الزيادة 11.5 جنيه.
كما قررت لجنة تسعير المنتجات البترولية زيادة سعر السولار إلى 11.5 جنيه، والمازوت المورد لباقي الصناعات إلى 8500 جنيه للطن.
هذا وتتضاعف معاناة الشارع المصري مع أي قرار مرتبط برفع الدعم لاسيما تحريك أسعار الوقود، في ضوء تأثيراتها الواسعة والمباشرة على الاقتصاد الشخصي للمواطن، حيث تتسبب في رفع كلفة التنقلات العامة، نقل الإنتاج والتوزيع بما ينعكس بصورة مباشرة على رفع أسعار السلع والخدمات المختلفة، وبالتالي ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام.
رفع الدعم مستمر
هذا ومن المتوقع أن تتواصل حالة الترقب والضغوط التضخمية التي تتطلب حلول سريعة في ضوء تصريحات رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بشأن اعتزام الحكومة رفع أسعار بعض المنتجات، منها المنتجات البترولية، بشكل تدريجي خلال عام ونصف، وحتى شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام 2025.
بالإضافة إلى مستهدفات رفع أسعار الكهرباء على مدى زمني أطول، قد يصل إلى 4 سنوات، وفقاً لتصريحات المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، المستشار محمد الحمصاني، والذي أكد أن مصر وصلت خلال الفترة الماضية لمعدل استهلاك غير مسبوق في الكهرباء، وبالرغم من ذلك، تلتزم الدولة بوقف تخفيف الأحمال حتى نهاية الصيف، ومع نهاية العام سيتم الانتهاء تمامًا من فكرة تخفيف الأحمال.
وتمثل هذه التوجهات تحدي جديد أمام الحكومة المصرية في السيطرة على معدلات التضخم المتوقعة، فعلى الرغم من نجاح مصر في السيطرة ودعم مسار تراجع معدلات التضخم خلال الأشهر الأخيرة وانخفاض المعدل السنوي لأسعار المستهلكين في المدن إلى 27.5% في حزيران (يونيو) الماضي من 28.1% في أيار (مايو)، إلا أن الإجراءات الأخيرة والارتفاعات السعرية المتوقعة في السلع والخدمات، سينتج عنها ضغوط تضخمية قوية خلال المدى القصير.
ضغوط تضخمية قوية
وتعقيباً على ذلك، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي في تصريحات خاصة لـ"النهار العربي" أنه مع تحريك أسعار الوقود والقرارات المرتقبة على صعيد رفع الدعم تدريجياً عن الكهرباء سينتج عنها ارتفاعات وضغوط تضخمية قوية وسريعة.
أضاف أن تلك الضغوط التضخمية ستمثل تحدي قوي أمام الحكومة المصرية على صعيد طرق مواجهتها وتخفيف تداعياتها السلبية على الشارع المصري، وضرورة اتخاذ بدائل سريعة تخفف تلك التأثيرات المتوقعة، مثل برامج الحماية الاجتماعية لمحدودي الدخل والطبقات الفقيرة لمواجهة هذه الزيادات في الأسعار.
أشار إلى أن تداعيات المرحلة الحالية تتطلب أيضاً العمل على تقديم مزيد من المحفزات للمستثمرين والقطاع الخاص لدعمهم في مواجهة رفع أسعار الطاقة والمحروقات، وبالتالي التسبب في ضغوط اقتصادية جديدة وتحدي قوي.
أوضح أن التعاون مع صندوق النقد الدولي كان له نقاط إيجابية بداية من تعديل النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني لمصر وعودة الاستثمارات غير المباشرة بالإضافة إلى استقرار سعر الصرف، إلا أن الإجراءات الحالية تتطلب مزيد من الجهود والإجراءات السريعة لمواجهة تداعياتها.
اشتراطات الصندوق
ويربط الكثير في الشارع المصري القرارات الأخيرة والمرتقبة باشتراطات صندوق النقد الدولي وبرنامجه التمويلي مع مصر، والذي من المقرر أن يشهد إجراء مناقشة المراجعة الثالثة لبرنامج الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في 29 تموز (يوليو) الحالى، وذلك لاعتماد المراجعة الثالثة فى إطار اتفاق التمويل المشترك.
وذلك لبرنامج تمويلي متفق عليه مع مصر بقيمة 8 مليارات دولار، وبما يسمح بصرف شريحة جديدة من التمويل بقيمة 820 مليون دولار، عقب انتهاء مصر من إجراءات المراجعة الثالثة للبرنامج المتفق عليه.
بدائل اقتصادية
وفي إطار البحث عن بدائل اقتصادية لسرعة مواجهة تحديات المرحلة الحالية، يستعرض مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب في تصريحات خاصة لـ "النهار العربي" بدائل لزيادة الموارد والقدرة على دعم المواطن المصري والمستثمر في مواجهة قرارات رفع الدعم بداية من دمج السوق غير الرسمي إلى السوق الرسمي بصورة سريعة والعمل على سرعة الترشيد واعتماد نظام الساعات المرنة وتنظيم عملية الوقت في مختلف الجهات والمؤسسات التابعة للدولة لترشيد النفقات.
أضاف أن ثالث تلك البدائل تتمثل في العمل على دعم وتشغيل المصانع المتعثرة والتي تمثل قوة اقتصادية قوية في حالة إعادة تشغيلها ستسهم في تشغيل عمالة والقضاء على نسبة جيدة من البطالة، بالإضافة إلى دعم موارد الدولة الضريبية، بالإضافة إلى بديل رابع متمثل في تطبيق الدعم النقدي لضمان وصول الدعم إلى مستحقيها وبالتالي خفض فاتورة الدعم الضخمة عن عاتق الدولة.
وأشار شعيب إلى أن المرحلة الحالية شهدت إجراء وقرار تحريك أسعار الوقود في ضوء ارتباط لجنة دعم المحروقات لتسعير دولي وعوامل خارجية مثل أسعار البترول في الخارج وفي ظل حالة عدم وضوح الرؤية التي يمر بها العالم، متوقعاً تأجيل إقرار رفع الدعم عن الكهرباء خلال المدى القصير وعقب سرعة مواجهة تداعيات تحريك أسعار الوقود.