بعد مرور 15 شهراً على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في نيسان (أبريل) 2023، أصدر الجهاز المركزي للإحصاء في السودان أول بيانات رسمية عن معدل التضخم في البلاد، مسجلاً ارتفاعاً كبيراً، بنسبة 136.67 في المئة في النصف الأول من عام 2024، ما يعكس طبيعة الوضع الكارثي الذي يتعرض له السودان في جميع مناحي الحياة وفي منظومته الاقتصادية.
وهذه البيانات هي الأولى من نوعها منذ آخر بيانات صادرة في شباط (فبراير) 2023، حين بلغ التضخم 63.3 في المئة، وهي تدل على الركود الذي أصيبت به القطاعات الإنتاجية في البلاد، ووقفها على مشارف الانهيار التام، مع استمرار الحرب، ودفعها بنحو 8,5 ملايين سوداني للنزوح من مناطق سكنهم.
وضع غير مألوف
يقول الخبير الاقتصادي السوداني الدكتور هيثم فتحي لـ"النهار العربي" إن الاقتصاد السوداني يشهد وضعاً غير مألوف، "ربما يكون عنوانه الأبرز الارتفاع المتسارع والكبير لسعر صرف العُملة الأجنبية، ونسب التضخم العالية، المصحوبة بركود في القطاعات والأنشطة، في مؤشر واضح على ظاهرة الركود التضخمي المركبة".
ويضيف: "تحول الاقتصاد السوداني إلى اقتصاد حرب، وبات تأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء أولوية، وسط تراجع قوي في النشاط الاقتصادي، وركود في العديد من القطاعات الإنتاجية، في غياب أي محاولات لاجتراح الحلول التي تعيد البلاد إلى سكة التعافي، مع استمرار الانقسام السياسي والمعارك العسكرية".
وبحسب فتحي، ثمة محركان أساسيان للتضخم في السودان: "يتعلق الأول بالسياسة المالية والنقدية، ففي غيابها، اتسعت الفجوة بين مستوى دخل الفرد والأسعار الاستهلاكية، وحدثت ارتفاعات كبيرة جداً في معدلات التضخم؛ والثاني محرك ديناميكي، يعتمد على سعر صرف الجنيه السوداني، والتغيرات التي يخضع لها، وحدوث ارتفاعات وضغوط تضخمية، نتيجة سياسة التمويل بالعجز لتعويض العجز الحاصل في الإيرادات المحلية، إضافة إلى هجرة الأموال إلى خارج البلاد".
تدهور القدرات النفطية
فقد السودان نحو 75 في المئة من إنتاجها النفطي بانفصال جنوب السودان في عام 2011، وأصبحت أصغر منتج للنفط في تحالف "أوبك بلس". واليوم، بسبب الحرب المستعرة في البلاد، ووصول نيرانها إلى حقول النفط، وتوقف مصفاة التكرير الوحيدة ومحطات الضخ، يقترب قطاع النفط السوداني من حافة الانهيار. ويضاف إلى ذلك تخريب أنابيب تصدير خام نفط دولة جنوب السودان، بعد نقل "قوات الدعم السريع" المواجهات العسكرية إلى حقول النفط في إقليمي دارفور وكردفان، ومنشآت مصفاة التكرير في شمال الخرطوم.
وبحسب تقرير رسمي، خرجت 10 حقول في ولاية غرب كردفان من الخدمة، ومنها دفرة ونيم وأم عدارة وموقا وبرصاية، فيما تعرضت الآبار النفطية للتخريب.
وهذه صورة مصغرة للحاصل في القطاعات الحيوية في البلاد. ويقول المحلل الاقتصادي السوداني الدكتور وائل فهمي لـ"النهار العربي" أن أبرز ملامح التداعيات السلبية لهذه الانهيارات، وفي مقدمها ما حصل للقطاع النفطي الذي تعتمد موازنة الدولة السودانية على إيراداته، "تتمثل في الانكماش المتزايد لمصادر الدخل الرئيسية للسودان وحكومته من الخارج، وفي الشح المتنامي للوقود والارتفاع المتواصل لأسعاره، خصوصاً في الأسواق غير الرسمية في السودان، وهذا تسبب بشلل القطاعات الإنتاجية والخدمية، ووقوف السودان على حافة مجاعةٍ بدأت بوادرها تظهر في بعض الولايات، خصوصاً في مناطق تشتد فيها الاشتباكات".
أخيراً، تصل تكلفة إعادة تأهيل قطاع النفط في السودان إلى نحو 5 مليارات دولار، بحسب تقديرات وزير الطاقة والنفط السوداني محي الدين محمد سعيد، الذي يقول: "أدى تدني الإنتاج النفطي إلى فقدان نحو 7 ملايين برميل، حُرمت البلاد من إنتاجها يومياً بسبب الحرب"، موضحاً أن الأضرار في قطاع النفط شملت المنشآت النفطية ومحطات الكهرباء، وفقدان الخام النفطي والمشتقات النفطية في المستودعات الإستراتيجية من إنتاج مصفاة الخرطوم.