عبد القادر دمج
في عالم يزخر بالأرقام، تهيمن فيه الأموال على الكثير من جوانب حياتنا، ولا يتجلّى دورها في أنّها مصدر للثروات فحسب، بل هي عامل محفّز للصراعات العالمية، نرى أن بعض الأشخاص يعانون خوفاً غير مفهوم من المال ذاته، أو على المال ذاته، يُسمّى "رهاب المال".
يبدو هذا النوع من الرهاب لبعضهم غير منطقي، فما الذي يدفع شخصاً للقلق والرهبة من شيء يعتبره البعض أداة لتحقيق الأمن والاستقرار؟ وكيف يؤثر هذا الرهاب في حياة الناس وسلوكهم اليومي وعلاقاتهم ببعضهم وبالمؤسسات المالية التي يتعاملون معها؟
ما هو رهاب المال؟
في حديث لـ"النهار العربي"، يعرّف الدكتور أنطوان الشرتوني، المُتخصّص في الأمراض النفسية والتحليل النفسي، رهاب المال بأنه "خوف من المال أو خوف من خسارة المال، يؤدي إلى اضطرابات نفسية نتيجة الشعور المكبوت تجاه المال".
وتصنّف الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص هذا الرهاب كأي رهاب آخر، "فهو خوف غير منطقي ومستمر، يترافق مع أفكار ومشاعر ضاغطة تتعلق بالخوف من حالة معينة، والحالة هنا هي المال وكل ما يتعلق به".
وتضيف لـ"النهار العربي": "وكأي رهاب، لرهاب المال أشكال عدة، كالتعامل مع النقود، أو شمّ الأوراق النقدية أو لمسها أو النظر إليها، أو حتى مجرّد التفكير بها أحياناً".
حب الإنفاق
ترى قصقص أن بعضهم يعتبر أن إنفاق المال وسيلة للتمتع بالحياة وتحقيق الراحة، "وربما تربّى هؤلاء في بيئة تشجّع على الإنفاق، خصوصاً أن بعض هؤلاء مؤمن بأن ما ينفقونه اليوم يحصلون على بديل منه في الشهر الآتي، أو من مصدر آخر"، فيما يكون الإسراف العشوائي نمطاً من الاتفاق عند أفراد يفقدون القدرة على ضبط أنفسهم وإشباع رغباتهم، "فيضعون الإسراف في خانة التعويض عن نقص ناتج من حالة مادية سيئة عاشوها فردياً أو عائلياً، وبذلك، يثبتون لأنفسهم أنهم قادرون اليوم على شراء ما يريدونه، خلافاً لما مرّوا به من فاقة في الماضي".
في هذا السياق، يردّ الشرتوني سوء الإدارة المادية، "سواء كان إسرافاً غير صحي أم خشيةً مبالغاً بها، إلى اضطراب ثنائي القطب في بعض الحالات، فبعض من يعاني هذا الرهاب ينفق أمواله على شراء أي شيء حتى لو لم يكن بحاجة إليه، وهذا يعود إلى الشعور الدائم بالفراغ".
ويتابع الشرتوني: "يعاني أيضاً من رهاب المال أولئك الذين اغتنوا بعد فقر، فبالمال يُشبعون النقص النفسي الذي عاشوه من قبل"، مضيفاً: "قد نلاحظ أيضاً أن من يكدّسون المال يتعاملون بالأسلوب نفسه مع أشياء لا أهمية لها، كالاحتفاظ بعبوات فارغة مثلاً من دون غاية واضحة، ويشعرون بعدم الارتياح للتخلّي عنها".
كذلك، ترى قصقص أن حب شمّ المال أو لمسه، أو تجنّب الأمرين، أمر غير شائع، وهي تردّه إلى تجارب مالية او اجتماعية قاسية، كالتعرّض للابتزاز المادي أو الاحتيال او الاستغلال المالي بشكل مؤذٍ. أما الشرتوني فيقول: "قد يكون السبب هو هوس النظافة... فالعملات النقدية تحمل الكثير من الفيروسات، لذا قد يتجنّب البعض تداولها أو لمسها".
تأثيره في الأفراد؟
تؤكّد قصقص أن في العلاقات الاجتماعية، يتبادل الناس الأموال بشكل دائم وروتيني، "لذا قد يتجنّب البعض كل الأنشطة الاجتماعية التي تتطلّب التعاطي مع المال، متل الإنفاق أو الاكتساب، وقد يصل هذا التجنّب إلى الإنزواء، كما قد يؤدي إلى خسارة فرص مهنية أخرى، خصوصاً إذا كانت تتطلّب تعاملاً يومياً ومستمراً مع العملات النقدية، وكأي رهاب، إنه يؤثر في المشاعر ويرفع مستوى القلق لدى من يعاني منه".
بدوره، يضيف الشرتوني، أن رهاب المال، كأي رهاب آخر، يؤثر سلباً في الإنسان وفي طريقة تفكيره في علاقاته مع العالم الخارجي.
ولتجنّب هذا الرهاب، يجمع المختصان على ضرورة تثقيف الأشخاص بأمور رهابهم وتفاصيله، وتعليمهم تقنيات التعامل مع المال. فالتوعية مطلوبة لفصل المشاعر عن إدارة الأموال، ولخلق توازن فردي بين الإنفاق والإدخار، ووضع أهداف معيّنة تتعلق بالمال والعمل على تحقيقها، ربما تكون إدخار مبلغ ما لمن يعاني الإسراف الشديد، أو توجيه الإنفاق عند من يعاني خوفاً من الإنفاق.
عند الأطفال أيضاً
يشدّد الشرتوني على ضرورة مشاركة الأحداث التي قد تسبّب لدينا صدمات نفسية، حتى على صعيد الطفل، فيجب تحفيزه على البوح بها من خلال أي وسيلة يعبّر فيها عن مشاعره، قد تتمثل برسمة أو لوحة ملوّنة.
كما يؤكّد أن التربية السليمة للطفل تجنّبه هذا الرهاب. يقول: "يجب تربية أطفالنا على ثقافة مادية تبيّن أهمية المال، فقد يرى البعض أن تحقيق رغبات الطفل بشكل دائم ومباشر يشعره بالاكتفاء والشبع، لكن تكرار هذا السلوك قد يتحول خياراً غير صحي، فيجب توعية الطفل على الاعتماد على نفسه من خلال مشاركته بنشاطات منزلية، كتنظيف حديقة البيت أو المشاركة ببعض الأعمال المنزلية، ما يعزز لديه أهمية العمل والجهد مقابل راحته أو تحقّق رغبته".
أي علاج؟
يرى الشرتوني أن التعامل مع رهاب المال، أو أي رهاب آخر، يتطلّب مساعدة نفسية. كما تشير قصقص إلى أن المهمّ هو تقديم الدعم المعنوي لمن يعاني الرهاب، وتشجيعه على اللجوء إلى متخصص في العلاج النفسي، ما يخفف من وطأة معاناته. مضيفةً: "مهمّ التدخّل النفسي في حالات الرهاب، فهي تتطلّب العلاج السلوكي المعرفي".