إنه عصر المسيّرات بامتياز. فقد انفقت القوى العسكرية في الشرق الأوسط (باستثناء إسرائيل) ما لا يقل عن 1,5 مليار دولار لإنتاج المُسيّرات في السنوات الخمس الماضية، وفقاً لتقديرات "معهد الدراسات السياسية الدولية" (ISPI)، الذي توقع أن تصل الاستثمارات في سوق المُسيّرات إلى 100 مليار دولار خلال العقد المقبل، فيما ترجح منصة "درون إنداستري إنسايتس" (Drone Industry Insights) أن يبلغ حجم سوق الطائرات بدون طيار العالمية نحو 54,6 مليار دولار بحلول عام 2030، يرفده معدل نمو سنوي مركّب يصل إلى 7.7%.
من هم أبرز المنافسين العرب في سباق توطين تكنولوجيا الطائرات المُسيّرة؟
الإمارات والسعودية
تتصدر الإمارات البلدان العربية الصاعدة في مجال تصنيع الطائرات المُسيّرة، تليها السعودية ثم مصر. فقد نجحت شركة "إيدج" الإماراتية في تطوير العديد من المُسيّرات التي تطير على ارتفاع منخفض، أبرزها مُسيّرة "جايدد 120 ملم" التي تتميز بقدرة 110 أحصنة، وبالتحليق على ارتفاع 22 ألف قدم.
وتأتي السعودية في المرتبة الثانية، حيث وقعتا شركتان سعوديتان اتفاقية للمشاركة في إنتاج وتطوير مُسيّرة "سكاي غارد" للاستخدام التكتيكي، بحسب ما أعلن عنه موقع "ديفينس نيوز" في 21 آب (أغسطس) 2021. كما وقعت المملكة عقداً في أيلول (سبتمبر) 2023 مع شركة تركية لشراء المسيّرات منها. وبدأت شركتان سعوديتان في إنتاج مشترك لمسيّرة "كاراييل أس يو" (Karayel-SU) التركية الصنع والمتوسطة الارتفاع والطويلة التحمل، إضافة إلى مواصلة تطوير "سكاي غارد".
سبقت مصر.. ولكن!
في 5 شباط (فبراير) 2024، وافقت تركيا على تزويد مصر بطائرات مُسيّرة، وفقاً لبيان أصدره وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين. وأشار فيدان إلى أن مصر صنعت طائرات مُسيّرة، "لكن النوع التركي مختلف عن الموجود لدى القاهرة، ومهم أن يكون للبلاد أسلحة حديثة متنوعة القدرات".
يقول اللواء دكتور نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق واستاذ العلوم الاستراتيجية، لـ"النهار العربي" إن تركيا سبقت مصر في توطين تكنولوجيا المُسيّرات، "لكن هذا لا يعني أن مصر غير قادرة على اللحاق بها، فهي تواكب الاتجاه العالمي لإحلال التكنولوجيا محل الفرد وإلغاء دوره في المواجهة".
ويشير سالم إلى أن الريادة في امتلاك طائرة بتكنولوجيا متطورة تعود إلى مصر، وتحديداً قبل نكسة 1967، "حيث كانت الهيئة العربية للتصنيع تصنع طائرات بتكنولوجيا متقدمة حينها، وهي طائرات ’القاهرة 200‘ و’القاهرة 300‘، صممها المصمم الألماني ويلى مسيرشميت، لكن الاتحاد السوفياتي حال دون ظهورها بالضغط على مصر للتخلي عن هذا المشروع مقابل دعم الجيش المصري بعد النكسة، إذا كانت الطائرات المصرية تتفوق على الروسية ’ميغ-21‘".
فقد تمكنت الهيئة العربية للتصنيع التابعة للقوات المسلحة من تصنيع مُسيّرات بمكونات محلية 100%، وهي: المسيرتان "6 أكتوبر" و"30 يونيو"، والمسيرتان "طابا-1" و"طابا-2"، والمسيّرة "أحمس".
قدرات تقنية
وبحسب بيانات المُسيّرات المعلنة خلال معرض الصناعات الدفاعية "إيديكس 2023"، تتميز مُسيّرة " 30 يونيو" بقدرتها على التحليق أكثر من 14 ساعة على ارتفاع يصل إلى 7 آلاف متر، بسرعة قصوى تصل إلى 260 كيلومتراً في الساعة، وتبلغ 135 كيلومترا في الساعة، ويمكنها الهبوط أثناء تحليقها بسرعة 120 كيلومتراً في الساعة. ويصل طول هذه المُسيّرة إلى 8.9 متراً وارتفاعها 2.6 متراً والمسافة بين طرفي الجناحين 12 متراً.
ومُسيّرة "6 أكتوبر" هي النموذج المطور من "30 يونيو"، تتميز بسرعة قصوى تصل إلى 260 كيلومتراً في الساعة، وبقدرة على التحليق 30 ساعة متواصلة. وهي مزودة بمنظومة مراقبة كهرومغناطيسية تمكنها من التصوير الليلي والنهاري، وبمنظومة دفاعية من طراز "SGA".
أما المُسيّرتان "طابا-1" و"طابا-2" فتستخدمهما قوات الدفاع الجوي بسبب قدرتهما على اكتشاف وتتبع الأهداف الجوية وتدميرها. تبلغ سرعة "طابا-1" نحو 500 كيلومتر في الساعة، وأقصى ارتفاع لها 6 آلاف متر، بزمن تحليق 50 دقيقة، في حين يبلغ أقصى مدى للمسيرة "طابا-2" نحو 850 كيلومتراً، بزمن تحليق 8 ساعات، بسرعة 260 كيلومتراً في الساعة.
ومُسيّرة "أحمس" استطلاع يصل مداها إلى 240 كيلومتراً، بأقصى سرعة 260 كيلومتراً في الساعة، بارتفاع 7 آلاف متر.
في هذا الإطار، يقول سالم لـ"النهار العربي": "لو دعمت الدول العربية مشروع الهيئة العربية للتصنيع المصرية في الخمسينيات، لتحقق الحلم تصنيع طائرة حربية بسواعد وتكنولوجية عربية، ولكنا اليوم نجني الثمار، فلا تضطر أي دولة عربية لإنفاق المليارات على شراء مُسيّرات تعمل بتكنولوجيا مستوردة"، محذراً من امتلاك البلدان العربية طائرات مُسيّرة تعمل بتكنولوجيا أجنبية، قائلاً: "هذا سلاح ذو حدين، فرغم أن المُسيّرات قادرة على إصابة الأهداف عن بُعد، إلا أنها معرضة للاختراق والتشويش وربما السيطرة الكاملة عليها، وهو ما تقوم به روسيا في حربها مع أوكرانيا حالياً، حيث اخترقت أنظمة تشغيل بعض الأسلحة الغربية والأميركية وكذلك أنظمة الملاحة "GPS" ونظام صواريخ المدفعية عالية الحركة (HIMARS) والتي يمكنها إطلاق بعض الصواريخ الأميركية الصنع التي يصل مداها إلى 50 ميلاً، ما أدى إلى ضعف قدرة أوكرانيا على الدفاع عن أراضيها".
ثلاثة شروط
لكن، ماذا تحتاج البلدان العربية لتوطين تقنية المُسيّرات وتعزيز القدرة على حماية أمن معلوماتها من الاختراق والسيطرة عليها؟ يجيب سالم: "تعتمد عملية تصنيع مُسيّرة متطورة عربية 100% على 3 شروط: امتلاك التكنولوجيا الأساسية للتصنيع، وتطوير هذه التكنولوجيا بجهود ذاتية، وتسويق المُسيرة لاستخدام عوائد الاستثمار في تطوير انظمة الحماية فيها من الاختراق".
ويوضح سالم أن تركيا نجحت في التفوق على البلدان العربية في هذا المجال، "لأنها تمكنت من غزو أسواق في 27 دولة، حيث وقَّعت شركة ’بايكار‘ التركية المنتجة للمُسيّرات في عام 2022 عقود تصدير بإجمالي عائدات بلغت 1,18 مليار دولار"، وأبرز المُشترين أوكرانيا وبولندا وأذربيجان ومصر والمغرب وتونس والكويت والإمارات وإثيوبيا وتركمانستان وقرغيزستان ورومانيا وألبانيا، وفقاً لبيانات رسمية تركية.
وبحسبه، أثبتت المُسيّرات التركية فعاليتها في مساعدة أذربيجان على هزيمة القوات المدرعة الأرمينية واستعادة مساحات شاسعة من ناغورنو كاراباخ في عام 2020، "ما دفع بالعديد من البلدان العربية للتعاون مع تركيا وامتلاك مُسيّرات تصنعها أنقرة".