عززت الجزائر عوائدها الاقتصادية واحتياطاتها من تدفقات النقد الأجنبي في العامين المنصرمين، بفضل استراتيجيات تطويرية دعمت دورها لاعباً أساسياً على خريطة الطاقة العالمية.
ونجح الاقتصاد الجزائري في تحقيق عوائد اقتصادية مهمة في العامين المنصرمين، "مستفيداً من تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية التي إنعكست إيجاباً على قطاع النفط والغاز تحديداً"، كما يقول الخبير والمحلل الاقتصادي وضاح الطه، راداً الأمر إلى قرب الجزائر من القارة الأوروبية، وقدرتها على تأمين الاحتياجات الأوروبية من النفط والغاز.
وكان الاتحاد الأوروبي قد قرر تقليص اعتماده على الغاز الروسي بعد غزو أوكرانيا في 22 شباط (فبراير) 2022، والتخلص من واردات الوقود الأحفوري الروسية قبل عام 2030، مع تنويع مصادر الطاقة وإنتاج الطاقة النظيفة.
ووفقاً لتقرير منتدى البلدان المصدرة للغاز، متوقع أن تبقى الجزائر مصدراً مهماً للغاز الطبيعي للسوق الأوروبية حتى عام 2050، وربما تكون مموناً رئيسياً لجنوب أوروبا بالغاز الطبيعي، إذ تخصص 70% من صادراتها إلى هذه السوق بالأنابيب، و30% في شكل غاز طبيعي.
ارتفاع في الاحتياطي
نتيجة لذلك، ارتفع احتياطي الجزائر الأجنبي إلى 69 مليار دولار بنهاية عام 2023، ونما بنسبة 13% للعام الثاني على التوالي، بحسب بيانات البنك المركزي الجزائري، وذلك بعد تراجع متواصل وصل إلى 77% بين عامي 2014 و2021، "متأثراً بانخفاض أسعار النفط وتفاقم عجز ميزان المدفوعات"، بحسب ما يقول الطه لـ"النهار العربي".
ويضيف: "قوة الجزائر التصديرية للغاز إلى أوروبا والمساهمة القوية للقطاع الهيدروكربوني من نفط وغاز، مثّل داعماً قوياً لها في قفزة احتياطاتها الأجنبية، واستقطابها المزيد من التدفقات الأجنبية"، لافتاً إلى الاهتمام الأوروبي المتصاعد بالجزائر على صعيد الغاز يُترجم تدفقاً للاستثمارات الأجنبية على قطاع الغاز في الجزائر "لزيادة الإنتاجية أولاً، ولتأمين الانسيابية في عمليات نقل الغاز بالأنابيب تحت البحر إلى أوروبا".
وبحسبه، التنوع بين الغاز والنفط يعزز المالية العامة والاحتياطات الجزائرية، خلافاً للأعوام السابقة، "فضلاً عن فرص هائلة متوقع من مرور النفط والغاز إلى أفريقيا عبر أراضيها ، تزامناً مع تنفيذ العديد من المشاريع في القارة السمراء".
لا يكفي
لكن الاعتماد على مأزق أوروبا الطاقي لا يكفي لتحقيق النمو الاقتصادي في الجزائر. يقول الخبير الاقتصادي أنور القاسم لـ"النهار العربي" إن وقف ارتفاع الإنفاق على الاستيراد، وتنفيذ وعود الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بتنويع مصادر الاقتصاد، وتعزيز الصادرات غير النفطية، وإنماء الاحتياطيات الأجنبية، والتركيز على الذهب ضمن الاحتياطات، مسائل لا تقل أهمية عن الطلب الأوروبي على الغاز الجزائري، "فاقتصاد الجزائر يعاني تبعية مفرطة لإيرادات النفط والغاز، إذ تمثل نحو 90% من مداخيل البلاد بالنقد الأجنبي".
ويؤكد الطه أهمية دعم وتنويع تشكيل الاحتياطي الأجنبي الجزائري، "لا سيما أن نشرات مجلس الذهب العالمي تشير إلى عدم تركيز الجزائر على شراء الذهب"، مضيفاً: "في ضوء الارتفاع المتوقع للطلب على الذهب عالمياً في الأعوام المقبلة، ضروري أن تضم الجزائر المعدن الأصفر إلى احتياطاتها، إضافة إلى التنويع بين سندات الخزانة الأميركية بما يدعم نمو الاحتياطي الأجنبي الجزائري".
توقعات متفائلة
ويلفت القاسم إلى أن الأداء الاقتصادي الجزائري العام متوافق مع توقعات صندوق النقد الدولي، "فعلى الرغم من الظروف الدولية المتدهورة، نجحت الجزائر في السنوات القليلة الماضية في تسجيل نمو ملحوظ مقارنة بالاقتصادات الأفريقية، فسجلت فائضاً في ميزانها التجاري بلغ 11,3 مليار دولار بنهاية العام المنصرم، بصادرات إجمالية تقدر بنحو 52,8 مليارات دولار، وواردات بقينة 41,5 مليار دولار، إلا أنها تحتاج إلى كبح جماح التضخم، لتحافظ على مؤشراتها الإيجابية".
وكان مشروع قانون المالية الجزائري لعام 2024 قد وضع نصب عينيه تحقيق نمو اقتصادي بنحو 4.2%، يرافقه انتعاش بنحو 1% في قطاع المحروقات. وتوقع المشروع تحقيق نمو اقتصادي بنسب 3.9% في عام 2025، و4% في عام 2026، بفضل صادرات الغاز الطبيعي، والغاز الطبيعي المسال، وغاز البترول المسال.