"إنها مجرد خطوة أولى نحو عالم مالي جديد". بهذه العبارة علّق
لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك"، التي تعدّ أكبر مدير للأصول في العالم إذ بلغت أصولها في حزيران (يونيو) الماضي
10,6 تريليونات دولار، في إشارة منه إلى بدء التداول بصناديق العملات المشفرة المتداولة في أسواق المال، بعد الاعتراف بها كشركات تداول أصول مالية غير مُنظمة، والتي أعلنت بدورها عن طرح سندات بملايين الدولارات طويلة الأجل بغرض التوسّع الاستثماري في شراء البيتكوين وأخواتها من العملات المشفرة.
فما هي سندات البيتكوين؟ وما مميزاتها وعيوبها؟ وكيف الاستثمار فيها؟
أداة جديدة
سندات بيتكوين (Bitcoin Bonds) أداة مالية جديدة نسبياً، تجمع بين مفهوم السندات التقليدية والعملات المشفرة. فهي سندات قابلة للتحويل إلى نقد، تُصدرها الشركات التي توجّه استثماراتها نحو العملات المشفرة المُدرجة في سوق المال، بغرض الحصول على تمويل طويل الأجل يتراوح بين 7 و8 سنوات لشراء المزيد من عملة بيتكوين. فهذه السندات تسمح للمتداولين بالاستثمار في العملات المشفرة بشكل غير مباشر، من خلال شراء سندات الشركة التي تكون محددة المدة، تمنح عائداً دورياً مرتبطاً بسعر البيتكوين من دون حيازة العملة الرقمية نفسها.
وفي 12 آب (أغسطس) 2024، أعلنت شركة ماراثون ديجيتال هولدينغز (Marathon Digital Holdings Inc)، وهي أكبر شركة تعدين أميركية للعملات المشفرة، عن بيعها سندات قابلة للتحويل بقيمة 250 مليون دولار، تستحق في عام 2031، واستخدامها عائدات هذا البيع لشراء المزيد من العملة المشفرة.
وهذا النهج نفسه اتبعته شركة
مايكروستراتيجي (MicroStrategy Inc) عندما أعلنت في 13 حزيران (يونيو) الماضي عن نيتها بيع سندات قابلة للتحويل بقيمة 500 مليون دولار تستحق في عام 2032، لتمويل شراء المزيد من البيتكوين، على الرغم من امتلاكها حالياً 214,4 ألف عملة بيتكوين بقيمة تقارب 14,52 مليار دولار، أي أكثر من 1% من إجمالي المعروض المتداول من العملة الرقمية الأشهر والأكبر في العالم.
أكثر أماناً
لكن، ما مدى نجاح سندات بيتكوين وأمانها؟ يقول أحمد معطي، الخبير في أسواق المال والمدير التنفيذي لشركة markets vi بمصر، لـ"النهار العربي"، إنّ سوق العملات المشفرة متقلبة وعالية الخطورة، "لكن مع ظهور سندات البيتكوين، صار الأمر أكثر أماناً، من دون أن تنتفي الخطورة نهائياً"، مشيراً إلى أنّ هذه السندات لن تكون محفوفة بالمخاطر مثل امتلاك العملة الرقمية نفسها المُعرضة لتقلبات السوق أو الاحتيال والقرصنة.
ويضيف معطي: "تمثل هذه السندات إقراضاً لجهة إصدار السند مقابل الحصول على عائد ثابت خلال أجل السند، ومن ثم استرداد قيمة السند كاملة عقب انقضاء أجله". وبالتالي، مالك السند ليس شريكاً في ربح الشركة أو خسارتها مثل مالك السهم. وبحسبه، السندات خاضعة للرقابة من هيئة الأوراق المالية والبورصة الأميركية، "وهذا يمنحها مزيداً من الأمان، ويجعلها مرشحة بقوة للنجاح في الفترة المقبلة".
ويشير مُعطي إلى وجود 52 مليون مستثمر أميركي يملكون عملات مشفرة، "وفي البلدان العربية نجد نحو 6,43 ملايين شخص يملكون عملات مشفرة، ففي مصر وحدها أكثر من 3,4 ملايين شخص، وفي الإمارات نحو 2,9 مليون شخص، وفي لبنان 132 ألفاً"، بحسب تقرير حديث لمجلة (
CEOWORLD)، قائلاً إنّ هذا العدد المتنامي للمستثمرين في العملات المشفرة يمثّل إشارة قوية على نجاح تجربة سندات البيتكوين.
الخطورة موجودة
ما يعزز نجاح تجربة سندات البيتكوين هو احتمالية فوز الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية. يقول مُعطي: "ترامب يعتزم إطلاق منصة للعملات المشفرة تحت اسم
ذي ديفاينت وانز (The DeFiant Ones)، متحولاً من أرش معارض لسوق الكريبتو إلى أكبر داعم لها. وحتى لو فازت المُرشحة الديمقراطية كامالا هاريس بالرئاسة، ستتمكن شركات العملات المشفرة من توفيق أوضاعها، إذ تتميز اليوم بحيز واسع من الشرعية بعد إدراج 11 صندوقاً لها في سوق المال الأميركية".
ويلفت مُعطي إلى وجود بعض الخطورة من الاستثمار في سندات البيتكوين، "تتمثل في أنها طويلة الأجل حيث تتراوح فترة الاستثمار بين 7 و8 سنوات، وقد نشهد انهياراً للشركة وإعلانها عن إفلاسها، مثلما حدث مع منصة (
FTX) التي تحولت من شركة ناجحة إلى شركة مدينة بنحو 11,2 مليار دولار"، كما يحذّر من خطر أن تفشل الشركة المصدرة للسندات في سداد العوائد المستحقة، خصوصاً أنّ سندات البيتكوين تختلف كلياً عن السندات الحكومية الأكثر أماناً في عالم الاستثمار، أو أن يصدر حكم قضائي يغير من اللوائح التنظيمية المنظمة للتداول.
3 أسباب و5 خطوات
ويدلّ مُعطي على 3 أسباب رئيسية للاستثمار في سندات البيتكوين، أبرزها أنّ هذه السندات تقدم عوائد ثابتة، إضافة إلى الربح من أي ارتفاع في سعر البيتكوين. السبب الثاني هو أنّ سندات البيتكوين تضيف تنويعاً لمحفظة الاستثمار، إذ تقدّم عوائد قد لا تترابط مع الأصول التقليدية مثل الأسهم والسندات الحكومية. أما والسبب الثالث ففي حال ارتفاع سعر البيتكوين، يُحتمل أنّ ترتفع قيمة السندات المرتبطة بها.
وبحسبه، ثمة 5 خطوات للاستثمار في سندات البيتكوين: "الخطوة الأولى هي فهم المخاطر ومقارنة العروض، إذ يتطلب الاستثمار في سندات البيتكوين دراسة الموضوع بعناية لتجنّب المخاطر العالية من تقلبات سوق العملات المشفرة، إضافة إلى مقارنة العروض والعوائد وشروط الاستثمار التي تقدمها شركات الوساطة للمستثمرين. والخطوة الثانية هي حُسن اختيار الوسيط، فبعض الوسطاء يقدمون عروضاً على الاستثمار في سندات البيتكوين، لكن ينصح الخبراء باختيار الشركات التي تتمتع بخبرات سابقة في هذا المجال، وتملك سيولة كبيرة في السوق، وتكون رسومها الإدارية منخفضة".
ويضيف المُعطي: "تمثّل الخطوة الثالثة في تقديم المستندات المطلوبة وفتح الحساب وإيداع الأموال في الحساب باستخدام الطرق المتاحة، مثل التحويل البنكي أو بطاقات الائتمان؛ والرابعة في اختيار السند الذي يناسب أهداف المستثمر، من حيث الأجل والمبلغ المرصود للاستثمار؛ والخامسة والأخيرة تنفيذ عملية الشراء عبر المنصة أو الوسيط الذي وقع عليه الاختيار".