في خطى موازية لمستهدفات الحكومة المصرية للتحول إلى مركز إقليمي للغاز الطبيعي المسال، تخطط الدولة لإعادة إنتاج النفط والغاز إلى مستوياته الطبيعية، اعتباراً من عام 2025، بالتعاون مع شركاء أجانب.
وتعوّل الدولة المصرية على سلسلة الاكتشافات الحديثة لتحقيق تلك المستهدفات، لا سيما حقل ظهر البحري العملاق للغاز، الذي تقدر احتياطياته بنحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، إضافة إلى توجهات وزارة البترول المصرية نحو زيادة إنتاجها من الغاز بحفر آبار جديدة وتنمية الحقول القائمة، خاصة مع النقص الطبيعي في إمدادات حقول الغاز القائمة وارتفاع الاستهلاك.
وتراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بما يقارب 35% وما يوازي 1,8 مليار قدم مكعب يومياً خلال العامين الماضيين، نتيجة توقف عمليات التنمية لحقول الغاز بمياه البحر المتوسط وباقي مناطق الامتياز الواقعة تحت مظلة الشركاء الأجانب، ما أدى إلى اتجاه البلاد نحو استيراد الغاز المسال مرة أخرى، لتغطية الطلب المحلي المتزايد، بعد توقفها منذ عام 2018 بدعم من اكتشافات جديدة للغاز حينها.
ووفقاً لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خطط مصر لإعادة إنتاج النفط والغاز إلى مستوياته الطبيعية تأتي متزامنة مع إعلان وزارة البترول المصرية عن طرح مزايدة جديدة للبحث عن الغاز والزيت الخام في 12 قطاعاً بالبحر المتوسط ودلتا النيل.
تحديات قويّة
على الرغم من هذه التوجهات، هناك مجموعة من التحديات القوية ما زالت تمثل عائقاً قوياً أمام قدرة الدولة المصرية نحو تحقيق هذا الهدف.
يقول الخبراء إن تلك التحديات تتمثل في ندرة العملات الأجنبية، وتراكم المتأخرات المستحقة للشركات الأجنبية، وزيادة عمليات استيراد الغاز الطبيعي المسال مع انخفاض الإنتاج في ضوء الطلب المتزايد على الكهرباء لمواجهة حجم الضغط بسبب النمو السكاني.
واتساقاً مع ذلك، أعلنت الحكومة المصرية في آذار (مارس) الماضي أنها بدأت في سداد مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مشروعات النفط في مصر.
وأشار مجلس الوزراء إلى بدء الحكومة سداد مستحقات الشركاء الأجانب العاملين في مشروعات البترول في مصر، بإجمالي 20% من المتأخرات، وذلك من خلال خطة مُجدولة لسداد جميع المتأخرات تباعا خلال الفترة المقبلة.
عوامل داعمة
يؤكد خبير اقتصادات الطاقة الدكتور نهاد إسماعيل لـ"النهار العربي" أنّ على الرغم من التحديات التي واجهتها مصر هذا الصيف، واللجوء إلى استيراد شحنات من الغاز الطبيعي لتلبية الطلب المحلي، "هناك خطط ومشاريع عديدة لرفع الإنتاج إلى مستويات ما قبل الجائحة".
يضيف: "الإعلان الأخير عن اكتشافات جديدة من قبل شركة ’شل مصر‘ في البحر المتوسط، إلى جانب عمل الشركة على تطوير مشاريع في موقع دلتا النيل، وطرح الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية ’إيجاس‘ مزايدات عالمية للبحث عن الغاز والنفط في 12 قطاع، منها 10 في البحر المتوسط و 2 في دلتا النيل، يدعم توجهات مصر وهدفها نحو استقطاب استثمارات جديدة لقطاع النفط والغاز في مصر، وأن تكون مركز استراتيجي إقليمي لتسييل الغاز الطبيعي وتصديره عالمياً".
ويشير إلى أن مصر تملك أيضاً مشاريع لتطوير إنتاجية حقول مثل حقل ظهر العملاق من احتياطات الغاز، فضلاً عن الإعلان عن اكتشافات جديدة للغاز في حقل أبو قير قبالة السواحل المصرية واكتشاف نفطي في الصحراء الغربية.
شهدت الفترة الأخيرة طرح وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر، مزايدة جديدة للتنقيب عن الزيت الخام والغاز في 12 منطقة بالبحر المتوسط ودلتا النيل، وتمتد فترة تلقي العروض في المزايدة حتى 25 شباط (فبراير) 2025.
وتأتي هذه المزايدة في إطار جهود وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية لجذب استثمارات جديدة إلى مصر واستراتيجيتها الهادفة إلى استغلال الفرص الواعدة في مجال البحث عن الغاز والبترول، حيث بدأت مصر برنامجاً بقيمة 1,8 مليار دولار العام الماضي لحفر آبار استكشافية للغاز الطبيعي في البحر المتوسط ودلتا النيل.
إنتاجية مصر
يتوقع إسماعيل وصول إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى 80 مليار متر مكعب بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير المنصة العربية المتخصصة في أخبار الطاقة، بالتوازي مع خططها لحفر 30 بئراً في المتوسط ودلتا النيل. ويؤكد أن الاكتشافات البحرية الجديدة والمستقبلية "تعزز قدرة مصر الإنتاجية والتسييل والتصدير، وتحقيق الهدف النهائي نحو تحويل مصر إلى مركز إقليمي محوري في مجال الطاقة والتصدير للأسواق العالمية".
ويتفق معه الخبير الاقتصادي أحمد المسيري على قدرة مصر للتحول إلى مركز إقليمي في مجال الطاقة بشرط استيفاء عدد من المتطلبات، مضيفاً لـ"النهار العربي"أن أبرز تلك المتطلبات "تتمثل في قدرتها على الإلتزام في خططها نحو سداد مستحقات الشركاء الأجانب في مشروعات البترول"، مشيراً إلى أن نجاح ذلك "يساهم بقوة في الاستفادة من دعم الشركاء والمستثمرين الخارجيين نحو مضاعفة إنتاجية مصر والقدرة على تحقيق اكتشافات جديدة".
ويشير أخيراً إلى أهمية زيادة الاستثمارات في قطاع الغاز ورفع مساهمة مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة في مزيج الطاقة.