تُشكل التغيّرات المناخية تهديداً خطيراً لدول القارة الأفريقية في ضوء ارتفاع حجم الخسائر الناجمة عن مواجهة تداعياتها السلبية، وإنفاق ما يصل إلى 9% من موازنتها لمكافحة التغيرات المناخية المتسارعة.
ووفقاً لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن حالة المناخ في أفريقيا في عام 2023، تخسر الدول الأفريقية حالياً بين 2 و 5% في المتوسط من ناتجها المحلي الإجمالي، نتيجة موجات الحر الشديدة والأمطار الغزيرة والفيضانات والأعاصير والجفاف لفترات طويلة.
كما تُقدر المنظمة تكلفة التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا جنوب الصحراء خلال 10 سنوات مقبلة بين 30 و50 مليار دولار سنوياً، ما يعكس حجم التحديات التي تهدد معظم دول القارة، وحتمية التوسّع في تنفيذ مشروعات الهدف منها التخفيف من آثار المناخ.
فوضى مناخية
يؤكد الدكتور تحسين شعلة، الخبير في التكنولوجيا الحيوية البيئية، لـ"النهار العربي" أن دول القارة السمراء تواجه فوضى مناخية ناجمة عن توجهات الدول العظمى وتسببها في زيادة تلوث البيئة، "ما كان له أثر كبير في تكبد دول القارة خسائر فادحة".
ويضيف: "في ضوء تلوث البيئة وما تعانيه أفريقيا من فوضى مناخية، نتج عنها إنفاق ما يصل إلى 9% من موازنتها لمكافحة التغيرات المناخية"، مشيراً إلى أنه مع ارتفاع درجات الحرارة الشديدة، تزيد معدلات تبخر المياه، وبالتالي يزيد معدل سقوط الأمطار الحامضية نتيجة الانبعاثات الكربونية، كما تزيد نسبة انبعاثات غاز الميثان، "ما يؤدي إلى ارتفاع في درجات الحرارة، وزيادة الاحتباس الحراري أكثر من ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 24 ضعفاً".
ويوضح شعلة أن للمتغيرات المناخية تداعيات سلبية وخطيرة على الخريطة الزراعية، إذ تسبب تراجعاً في الإنتاج الزراعي بنسبة تتعدى 50% في دول أفريقيا، "إضافة إلى تأثير الأمطار الحامضية التي جعل من بعض الأراضي غير صالحة للزراعة، ما يؤدي إلى نزوح للسكان خوفاً من تداعيات كارثية."
كما يتوقع أن تتضاعف تكلفة التغيرات المناخية في أفريقيا، خصوصاً جنوب الصحراء، بما يفوق 100 مليار دولار سنوياً، وهذا يمثل برأيه تحدياً خطيراً لميزانية الدول الأفريقية، "إذ ستحول إنفاقها للتكيف مع المتغيرات المناخية، بدلاً من توجيهه نحو تعزيز الإنتاج."
وفي ضوء المتغيرات المناخية المستمرة، فأن القارة الأفريقية برأيه ستعاني في السنوات المقبلة من فيضانات شديدة وأمطار غزيرة تفوق شدتها وغزارتها ما شهداه في الأعوام السابقة، ما يؤدي إلى تدهور البنية التحتية، وقد بدأ هذا الأمر في الظهور في دول عدة، مثل أثيوبيا والسودان وكينيا.
بدائل حتمية
تواصل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقريرها رصد أبرز البدائل والمتطلبات لسرعة التكيف مع تلك المتغيرات الخطيرة، إذ تحث بلدان أفريقيا على الاستثمار في الخدمات الجوية والمائية الحكومية وتسريع تنفيذ أنظمة الإنذار المبكر لإنقاذ الأرواح.
إلا أن ضعف التمويل في دول القارة الأفريقية يعيد قدرتها على النجاح في مواجهة المتغيرات المناخية، لذلك تستهدف دول أفريقية عدة تكثيف جهودها في اجتماعات مؤتمر الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ لبحث فرص الحصول على حصة أكبر من التمويل العالمي.
تقنين الأوضاع
اتساقاً مع ذلك، يعرض شعلة أبرز المتطلبات لسرعة تقنين الأوضاع وتقليل حدة التداعيات الخطيرة للتغيرات المناخية في دول القارة الأفريقية، حتى موعد انعقاد المؤتمرات الخاصة بالتغير المناخي المقبلة.
يضيف: "أبرز المتطلبات سرعة تنفيذ توصيات مؤتمرات تغير المناخ الأخيرة في مصر والإمارات بشأن ضرورة مساهمة الدول العظمى ودعم الدول الأخرى في سرعة التكيف مع التغيرات المناخية، إضافة إلى دعم الدول الفقيرة بأنظمة حديثة للتعامل مع تلك التغيرات والتقليل من آثارها وحدتها."
كما تتضمن التوصيات ضرورة التحول من استخدام الوقود إلى الطاقة الجديدة والمتجددة، والذي سيكون له مردود إيجابي على المستوى البعيد، خاصة أن ما تعانيه أفريقيا في الوقت الحالي هو نتاج التلوث الذي تسببه الدول العظمى والتي لها دور أساسي في تلوث الكرة الأرضية، وهذا يتطلب سرعة في المواجهة لتجنب تهديد الأمن الغذائي.
ويتفق معه محمد القاسم، أستاذ الدراسات البيئة، إذ يشدد لـ"النهار العربي" على أهمية الدعم المطلوب من الدول العظمى لسرعة السيطرة على المتغيرات المناخية قبل تفاقمها في الدول النامية، "وهي تقليل انبعاثات الكربون، من خلال التوسع الاستثماري في مجال الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ وتعزيز بنية تحتية مناخية مقاومة تساعد في تقليل تأثير الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والعواصف؛ وأداء القطاع الخاص دوره في تنفيذ المشروعات الهادفة إلى سرعة التكيف مع المتغيرات المناخية وتقليل تداعياتها".