أحدث قرار شركة "فولكسفاغن"، أكبر شركة ألمانية لصناعة السيارات، نيتها اعتماد إجراءات تقشف صارمة وإعادة هيكلة وإقفال عدد من المصانع وتسريح عمال لأسباب تشغيلية، وبهدف خفض التكاليف وضمن برنامج ادخار، صدمة كبيرة في الوسط السياسي والاقتصادي في البلاد، لا سيما أن الأمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ الشركة منذ نحو 90 عاماً تقريباً. فماذا عن الخطأ في الاستراتيجيات وإمكانات الدعم في ظل الضعف من الناحية الفنية والتكاليف الخارجة عن السيطرة ونقص أموال الابتكارات؟
خطأ تقدير الاستراتيجيات
وفي ظل الحديث عن أن الأزمة لا تتعلق فقط بالوضع العالمي السيئ بل بالاستراتيجيات التي اعتمدها مجلس الإدارة، وبروز من يريد الدفع لتقديم الدعم، لأن الشركة تمثل صورة ناجحة عن قطاعات صناعية تمتاز بها البلاد ورمزاً لا يمكن لأحد أن يتخيل سقوطه، ولإثبات أن ألمانيا ما زالت قادرة على خلق القدرة التنافسية على المستوى الدولي، اعتبر زعيم أكبر أحزاب المعارضة في البوندستاغ فريدريش ميرز، والمرجح ترشحه لمنصب مستشار بعد الانتخابات البرلمانية العامة المقررة عام 2025، أن ألمانيا لم تعد قادرة على المنافسة بما فيه الكفاية، وقد تكون الشركة ارتكبت خطأً بالتزام خط السيارات الكهربائية.
في المقابل، وبعد وصف رئيس "فولكسفاغن" أوليفر بلومه الوضع الاقتصادي للشركة بالمثير للقلق، يعتزم مجلس إدارة الشركة أن يجعل أكبر مجموعة صناعية في ألمانيا أكثر نجاحاً على المدى الطويل من خلال حزمة التقشف الصارمة ولإخراج أكبر شركة سيارات في أوروبا من أزمتها. ومن ضمن الخطة سيكون هناك تعاون أكثر شمولاً مع الشركات المصنعة الصينية، فيما هناك مقترح من نقابة "أي غي ميتال" لاعتماد نموذج العمل 4 أيام في الأسبوع من أجل منع إغلاق المصانع وتسريح العمال. والمرة الأخيرة التي تم فيها إغلاق مصنع للشركة كان عام 1988 في ويستموريلاند في الولايات المتحدة الأميركية.
من جهة أخرى، وفي ظل الاتهامات التي تطال مديري الشركة وسوء مقاربتهم للأسواق والمنافسات الشرسة مع سوق السيارات الصينية، والتي تشير التقديرات إلى أنها باتت تستحوذ على 20% على السوق الأوروبي وأهمها "بي واي دي"، قال رئيس مجلس العمل في مقر "فولكسفاكن" في مدينة إمدن مانفريد فولف لشبكة "أن دي أر" الإخبارية، إن خطط مجلس إدارة الشركة كانت بمثابة "ضربة قوية على المعدة"، مفيداً بأنه على مدار 30 عاماً كان من الممكن حل الأزمات على طاولة المفاوضات، والشركة "أخطأت في تقدير استراتيجيتها، ومن بين أمور أخرى، لا موديلات سيارات لدينا للمبتدئين".
العبء الصيني
ومع التقديرات التي تفيد بأن العلامة التجارية الألمانية تريد توفير حوالى 10 مليارات يورو حتى عام 2026 وحالة الغليان بين القوى العاملة والمخاوف من تبعات الأزمة بعدما حققت عام 2023 مبيعات بقيمة 322,3 مليار يورو، اعتبر الباحث الاقتصادي دافيد رايشل في حديث إلى "النهار العربي"، أن البيئة الاقتصادية لقطاع صناعة السيارات الأوروبية أصبحت أكثر صعوبة، وبخاصة على "فولكسفاغن" في ظل منافسة السيارات الصينية في أوروبا، مشيراً إلى أن المجموعة تعتمد اعتماداً كبيراً على السوق الصيني، حيث تحقق حوالى ثلث مبيعاتها وربما أكبر حصة من أرباحها.
وأشار إلى أن التحول في القيادة والتحول الرقمي يشكلان تحدياً كبيراً للشركة، ومن المهم الآن تطوير فهم مشترك لدعم الشركة التي تشغل أكثر من 100 ألف شخص في ألمانيا فقط. وتابع أن "هناك عوامل أخرى أضرّت بالقدرة التنافسية للشركة، بينها مصادر الطاقة المتجددة وتكنولوجيا البطاريات، إذ باتت الصين تتقدم علينا".
ووفقاً لمعهد "إيفو"، فإنّ صناعة السيارات الألمانية تتطلع إلى المستقبل بقلق، إذ انخفض مجال الأعمال في الصناعة بمقدار 6,2 نقاط ليصل إلى ناقص 24,7 في آب (أغسطس)، وهو الانخفاض الرابع على التوالي.
ويبدو أن كرة الثلج بدأت تتدحرج ضمن مجموعة "فولكسفاغن"، إذ أعلن المئات من موظفي شركة "أودي" في مصنع بروكسل الذي يضم 3000 موظف الإضراب بسبب القلق على وظائفهم في ظل الحديث عن الإغلاق. وتفيد الأرقام بأن 1500 وظيفة مهددة هذا العام و1100 في عام 2025.
حوافز ضريبية للشركات
وتفيد المعلومات بأن الحكومة الفيدرالية تخطط لتعزيز مبيعات "فولكسفاغن" من السيارات الكهربائية في المستقبل القريب، ويقوم المخطط أولاً على الترويج لـ"حوافز ضريبية كبيرة" للشركات، من خلال الترويج لها عبر شراء الشركات سيارات خدمات كهربائية، وبعدما كانت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي قد أنهت، بسبب قيود التقشف في الموازنة العامة، المكافأة التي كان يستفيد منها المواطنون عند شراء السيارات الكهربائية بهدف حماية البيئة. وتطمح الحكومة الآن لمساندة "فولكسفاغن" لزيادة مبيعاتها مرة أخرى، في وقت تواجه فيه الشركة منافسة من السيارات الصينية بأسعار رخيصة بفعل دعم بكين للشركات هناك بالمليارات.
وعلى وجه التحديد، وبحسب مشروع القانون سيتم تقديم حسم المبالغ من ضرائب الشركات التي تسجل سيارات كهربائية بالكامل والمركبات ذات الانبعاثات الصفرية المماثلة وبأثر رجعي من الأول من تموز (يوليو) 2024 وحتى كانون الأول 2028، وكل ذلك بهدف اتخاذ الشركات قرارات استثمارية سريعة. بالإضافة إلى ذلك، وفي ما يتعلق بفرض ضرائب على السيارات الكهربائية للشركات سيتم رفع الحد الأقصى لقائمة الأسعار من 70 ألف إلى 95 ألف يورو. وتلعب سيارات الشركات دوراً مهماً في سوق السيارات المستعملة أيضاً لأنه يتم الاحتفاظ بها لفترة قصيرة نسبياً.