تعتزم المملكة العربية السعودية، ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة، ضخ استثمارات جديدة بقيمة 5 مليارات دولار "كمرحلة أولى" بمصر، في ضوء توجيهات ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بشأن تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في المرحلة المقبلة.
ومن المقرر أن تشهد الدولتان عقد الاجتماع الأول للمجلس التنسيقي بين الجانبين، وبحث سبل وأولويات ضخ الاستثمارات الجديدة في مصر خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وتعتبر السعودية أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر، بحجم تبادل تجاري يقدر بأكثر من 124 مليار ريال (33 مليار دولار تقريباً) في عامي 2022 و2023، وفقاً لبيانات مجلس الوزراء المصري، إضافة إلى ودائع للمملكة طويلة الأجل لدى البنك المركزي المصري تبلغ قيمتها 5,3 مليارات دولار حتى نهاية عام 2023.
في المقابل، نمت الرخص الاستثمارية المصرية في المملكة بأكثر من 100% خلال عام 2024، مقارنة بالعام السابق، إضافة إلى أكثر من 80 ألف وظيفة للمصريين في الاقتصاد السعودي، وفقاً لبيانات وزارة الاستثمار السعودية.
تفاصيل الاستثمارات الجديدة
كشفت مصادر مُطلعة في الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بمصر لـ"النهار العربي" أن تشرين الأول (أكتوبر) المقبل سيشهد اجتماعات مرتقبة بين وزراء المجموعات الاقتصادية في البلدين، لبحث أوجه التعاون في عدد من المجالات، والجدول الزمني لبدء ضخ استثمارات المرحلة الأولى في مصر، والمقدرة بقيمة 5 مليارات دولار.
أضافت المصادر أن الجانب المصري سيعرض على الجانب السعودي عدداً من الفرص الاستثمارية المتاحة في 3 قطاعات رئيسية ممثلة في الاستثمار العقاري والسياحي، والصناعة، إضافة إلى قطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
وأوضحت المصادر نفسها أن الحكومة المصرية تولي زيادة تدفقات الاستثمارات السعودية في السوق المصرية في المرحلة المقبلة اهتماماً كبيراً، لذلك تعمل على تذليل التحديات وتصفير المشكلات وتيسير الإجراءات بإنشاء وحدة في وزارة الاستثمار المصرية خاصة بالاستثمارات السعودية.
إجراءات وتطلعات
تأكيداً على هذه التوجهات، تشهد الآونة الأخيرة إجراءات جادة بين الدولتين، هدفها تيسير سبل مضاعفة الاستثمارات وحجم التبادل التجاري بين البلدين في قطاعات حيوية عدة، أبرزها البحث في توقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات السعودية - المصرية.
وتعد هذه الاتفاقية دعوةً لطمأنة القطاع الخاص السعودي للاستثمار في مصر بدعم حكومي، إضافة إلى دعوة مفتوحة للمستثمرين المصريين للاستثمار في السعودية، للاستفادة من الفرص المتاحة في إطار "رؤية السعودية 2030".
كما نجحت الحكومة المصرية في إنهاء أغلب المشكلات التي يواجهها المستثمرون السعوديون في مصر، إذ تم التوصل إلى حلول لنحو 90 مشكلة منها، وتبقى 14 منازعة فقط سيتم العمل على حلها في الفترة المقبلة، وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.
مصر ورؤية المملكة
تعقيباً على ذلك، يقول الخبير الاقتصادي السعودي محمد الهلالي لـ"النهار العربي" إن الاستثمارات السعودية في مصر تندرج ضمن العلاقات الاستراتيجية القوية بين البلدين، وبما يساهم في تعظيم العوائد الاستثمارية المتبادلة.
ويضيف: "تتضمن رؤية السعودية 2030 عدة أهداف، أبرزها خلق التنوع الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات العالمية في جميع الأنشطة، إضافة إلى تنويع الاستثمارات في الخارج باقتناص الفرص الاستثمارية الجاذبة والواعدة"، مشيراً
إلى أن خطط المملكة للتوسع الاستثماري في مصر وضخ استثمارات جديدة "تعزز نجاح المملكة في تحقيق تنوعها الاستثماري، لا سيما في ضوء الفرص الاستثمارية الجاذبة التي تتمتع بها مصر في مجالات حيوية عدة".
ويوضح الهلالي أن صفقة رأس الحكمة الأخيرة ومراسم التوقيع الناجحة "تعكس حجم الفرص الاستثمارية القوية التي تتمتع بها مصر، فضلاً عن توافر كافة المقومات سواء من قوى استهلاكية وموقع استراتيجي مهم، ما يضاعف عوائد الاستثمارات السعودية مستقبلاً"، مضيفاً: "يُعد التنويع الاقتصادي ضرورة للمملكة لتعظيم عوائدها من أنشطة وقطاعات مختلفة، بعيداً عن الموارد النفطية، والتي قد تتأثر في ضوء الأحداث الجيوسياسية المستمرة في المنطقة".
فرص واعدة
يعرض الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي العديد من الفرص الاستثمارية الجاذبة للسعودية في مصر، "أبرزها قطاع الطاقة والبنية التحتية، حيث تسعى مصر إلأى توسيع مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما يتوافق مع خبرات السعودية في هذا المجال، إضافة إلى النفط والغاز، وفرص استفادة السعودية من فرص الاستثمار في استخراج الغاز الطبيعي والبترول، مع تزايد أهمية مصر كمركز إقليمي لتصدير الغاز لأوروبا".
ويضيف الإدريسي لـ"النهار العربي": "يندرج قطاع الزراعة والأمن الغذائي ضمن قائمة الفرص أيضاً في ضوء اهتمام السعودية بتحقيق الأمن الغذائي، وفرص الاستثمار في مشاريع استصلاح الأراضي في مصر، مثل مشروع المليون ونصف المليون فدان لتأمين إنتاج المحاصيل الغذائية، إضافة إلى قطاع الصناعة من خلال ما توفره مصر من بيئة ملائمة للصناعات التحويلية، التي تستفيد من العمالة المدربة والتكلفة المنخفضة".
وبحسبه، تتنوع الفرص أيضاً في القطاعين العقاري والسياحي، "خصوصاً مع النمو السريع للمدن الجديدة في مصر مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين، ما يمكّن الاستثمار في بناء الفنادق والمنتجعات السياحية، ومشاريع الإسكان، ولا ننسى عدداً آخر من القطاعات مثل النقل واللوجستيات والتكنولوجيا والابتكار".