المتداول: صورة تظهر، وفقاً للمزاعم، "فاتيكا، إلهة العالم السفلي في الحضارة الإترورية القديمة، والتي يستمدّ الفاتيكان اسمه منها".
الا أنّ هذا الزعم غير صحيح.
الحقيقة: الصورة تظهر قطعة أثرية لرأس جونو، الإلهة الرومانية القديمة الحامية، والتي تعود الى نحو 500- 480 ق.م. وهي معروضة في أحد المتاحف في برلين بألمانيا. وبالنسبة الى الإلهة فاتيكا، لم يمكن خبراء سألتهم "النهار" العثور على اسمها بين آلهة الحضارة الإترورية، بما يعزّز فرضية انه مختلق. أما اسم الفاتيكان، فله شرح مغاير. FactCheck#
"النّهار العربي" دقّق من أجلكم
يلحّ السؤال منذ أن أصبح موضع اهتمام مستخدمين يتناقلونه عبر حساباتهم: "لماذا يُطلَق على أكبر مؤسسة دينية في العالم، الفاتيكان، (اسم) فاتيكا، التي هي إلهة العالم السفلي، وهي ذاتها التي في الصورة".
وما ترونه في الصورة هو وجه يعتمر على ما يبدو خوذة بقرنين وبأذنين كبيرتين... كأننا أمام قطعة أثرية بدت كسور وتشققات في مواضع عدة فيها.
هذا المنشور القديم الجديد وجد مكانا له في مواقع ومدونات ووسائل التواصل الاجتماعي، بلغات عدة (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...). ويتوسّع في الادعاء ان "فاتيكا أو فاتيكانوس او فاجيتانوس هو الاسم الإتروسكاني القديم للإلهة فاتيكا المرتبطة بالعالم السفلي، وأصبح في ما بعد يعني الكلمة اللاتينية فاجينا Vagina، أي العضو التناسلي الأنثوي. أما الفاتيكان، الذي له أراضيه الخاصة في إيطاليا، فيأخذ اسمه من هذه الإلهة. وكانت هذه مقبرة. وقد أطلقوا عليها اسم الإلهة فاتيكا...".
- هذه جونو سوسبيتا -
ما المرجع الذي تمّ الاستناد اليه في هذه المعلومات؟ ما المصدر؟ عجزت المواقع او الحسابات ناشرتها عن تحديده. أول مؤشر سلبي.
ونضيف اليه مغالطات جوهرية يتضمّنها المنشور:
الصورة التي يزعم انها تعود للإلهة فاتيكا، تظهر في الواقع قطعة أثرية من الفخار لرأس جونو سوسبيتا Juno Sospita، الإلهة الرومانية القديمة الحامية. و"هي تعود الى نحو 500- 480 ق.م"، وفقا لما ينشر عنها موقع Staatliche Museen zu Berlin بألمانيا (هنا)، ويعرضها متحف ألتس Altes Museum في برلين (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...).
جونو "كانت ملكة الآلهة الرومانية وزوجة جوبيتر، ملك الآلهة، بمثابة بطلة وحامية للمرأة، خصوصا في أدوارها المنزلية، مثل الزواج والأمومة. وكانت لها مقدسات مهمة في تلة أفنتين في روما، بالإضافة إلى تلة الكابيتولين، حيث كانت تُعبد، إلى جانب جوبيتر ومينرفا، في معبد جوبيتر أوبتيموس مكسيموس" (هنا).
"كانت عضوا مع جوبيتر ومينيرفا في ثالوث آلهة الكابيتولين، الذي قدّمه الملوك الإتروسكان تقليديا (هنا ايضا)". "كانت شخصية ملكية، تصوّر عادةً بالكيتون (سترة) والعباءة، التي كانت تستخدمها أحيانا لتغطية رأسها. وتضع تاجا وتحمل صولجانا أو باتيرا (وعاء إراقة الشراب)".
"كذلك، كانت جونو إلهة الدولة والجنود المراهقين. وتأتي الكثير من الأدلة على هذا الدور من وسط إيطاليا. في لانوفيوم، كانت جونو تُعبَد باسم جونو سوسبيتا (تُعرَف أيضًا باسم سيسبيس أو سيسبيتا)، حامية المحاربين. وتمتعت جونو هذه بمظهر مميز، اذ كانت ترتدي جلد ماعز مقرن، وتنتعل حذاء مدببا، وتحمل رمحا ودرعا" (هنا، هنا، هنا ايضا).
- ماذا عن الإلهة فاتيكا المزعومة؟ -
الى جانب ان الصورة تعود في الواقع الى الإلهة جونو سوسبيتا، يتبيّن ان لا اثر للإلهة فاتيكا في الحضارة الإترورية.
وقال مدرس الميثولوجيا في الجامعة اللبنانية الدكتور سليم زرازير لـ"النهار" إن "اسم فاتيكا ليس موجودا بين آلهة الحضارة الإترورية Etruscans". واشار الى ان "مسوقي اسمها وربطه بالفاتيكان مواقع او حسابات غير جدية، ولا يمكن الاستناد اطلاقا الى المعلومات الميثولوجية او التاريخية التي تنشرها".
وأيّده في الرأي الكاتب والباحث والمؤرخ مدير النشر في موقع World History مارك كارترايت Mark Cartwright، الذي أكد لـ"النهار" "عدم وجود أي ذكر لإلهة باسم فاتيكا أو حتى ما شابه ذلك في مجموعة من المراجع التي لدي عن الحضارة الاترورية".
وقال: "في مقالة نشرتها عن الحضارة الاترورية، ذكرت ان هناك العديد من الآلهة والإلهات والشياطين المرتبطة بالعالم السفلي، ولكن اي منهم لا يحمل اسم فاتيكا".
ميثولوجياً، "الإله ايتا Aita كان إله العالم السفلي وحاكم الموتى او إله الجحيم لدى الحضارة الاترورية"، على ما شرح زرازير، مضيفا اليه اسم "الإلهة فانث Vanth، المرتبطة بالموت والعالم السفلي".
اسمان محدّدان في لائحة طويلة بأسماء آلهة وإلهات لدى الحضارة الاترورية (هنا، هنا). "آيتا كان إله العالم السفلي في الميثولوجيا، لكنه لم يكن موضوع عبادة. كانت قرينته بيرسيبني. ويظهر الزوجان على جداريات للمقبرة، آيتا يضع قبعة الذئب، وبيرسيبني بشعر فيه ثعابين. عمل تورمس كرسول لآيتا"، وفقا لما يكتب كارترايت عنه (هنا).
اما "فانث، فكانت أنثى شيطانية مرتبطة بالموت والعالم السفلي. تكون لديها أحيانا أجنحة، وتحمل ثعابين أو شعلة كمرشدة في العالم السفلي".
وفقا للمراجع، ازدهرت الحضارة الإترورية في وسط إيطاليا "بين القرنين الثامن والثالث قبل الميلاد. واشتهرت هذه الثقافة في العصور القديمة بمواردها المعدنية الغنية وباعتبارها قوة تجارية رئيسية في البحر الأبيض المتوسط" (هنا).
وكان الاتروسكان يؤمنون بأن "دينهم موحى به، نقلته إليهم آلهة السماء والأرض والعالم السفلي، وأن هذه القوى تحدثت إلى البشر من خلال الطبيعة وأحداثها: تحليق الطيور، صوت الرعد، ضربات الصواعق، وأحشاء الحيوانات التي تمت التضحية لها..." (هنا).
- الفاتيكان... ما نعرفه عن اصل اسمه -
ونجد آثار الاتروسكان في عملية بحثنا عن اصل اسم فاتيكان.
"أصل اسم فاتيكانو متنوع"، وفقا لموسوعة Treccani الايطالية. "بحسب فارو Varro، فاتيكانو (فاجيتانوس) هو الإله الذي يحمي صرخات الرضع. ولكن جيليوس نفسه يميل الى ان الاسم يشتق من vates, vaticinium، وما يدعم ذلك هو أنه في قاعدة التل، وبالتحديد تحت واجهة كاتدرائية الفاتيكان الحالية، تم العثور على مجموعة من المذابح التوربوليكية عام 1609، الامر الذي يشهد وجود الفيجانوم Phrygianum أو مقدس Cybele هناك، حيث يصدر الأركغالو في الأيام الاحتفالية الإجابات (vaticinia) التي اوحتها له الإلهة".
ووفقا للموسوعة، "يشتق المؤرخون اليوم فاتيكانوم من فاتيكوم Vaticum، كما يشتق لابيكانوم من لابيكوم، على افتراض أنها مدينة وثنية أو صغيرة مقابلة لروما خضعت للإتروسكان".
مصدر آخر. في موقع قاموس Etymonline.com (هنا)، نعثر على شرح آخر لاسم فاتيكان، بأنه "من اللاتينية mons Vaticanus، التل الروماني الذي يقع عليه القصر البابوي. ووفقا لمصادر كلاين، هذه الكلمة مستعارة من الاتروسكان، ولا علاقة لها بـvates "العراف، النبي، الرائي". ولكن يبدو أن آخرين يعتقدون أنها مرتبطة بفكرة "تل النبوة" (قارن vaticinatio تنبؤ، نبؤة، وvaticinari تنبأ- هنا ايضا).
كذلك، يخصّص الموقع الرسمي للفاتيكان شرحا للاسم (هنا). "مصطلح فاتيكانو يشير قديما إلى منطقة المستنقعات الواقعة على الضفة اليمنى لنهر التيبر، بين بونتي ميلفيو وبونتي سيستو اليوم"، على ما كتب.
واضاف: "خلال الفترة الملكية وطوال العصر الجمهوري، كانت المنطقة تُعرف باسم Ager Vaticanus. امتدت شمالا إلى مصب نهر كريميرا، وإلى الجنوب على الأقل حتى جانيكولوم. وفي العصر الإمبراطوري، بدءا من القرن الثاني الميلادي، تم توثيق الاسم الطبغرافي فاتيكانوم Vaticanum، والذي شمل مساحة تقابل تقريبا مساحة دولة مدينة الفاتيكان الحالية...".
وفي تقرير لـ"لا ستامبا" (هنا)، "كان الفاتيكان في العصور القديمة اسم تلة في روما تقع على الضفة اليمنى لنهر التيبر. لقد كان مكانا غير صحي ورطب، امتدت فيه الحقول غير المزروعة. أنشأت أغريبينا ماجور Agrippina Major حدائق هناك، بينما بنى الإمبراطور نيرون سيركا خاصا صغيرا. وكان المكان الذي أعدم فيه الشهداء المسيحيون الأوائل، بينهم بطرس الرسول الذي عهد إليه يسوع بقيادة الكنيسة، والذي دفن هنا".
"أصبح تل الفاتيكان في ما بعد مقبرة وثنية ومسيحية. وعمد الإمبراطور قسطنطين، بين عامي 326 و333، الى تسوية قمة التل لبناء أول كاتدرائية مخصصة للقديس بطرس، وخصص له مدفنا".
تأسست دولة الفاتيكان بتوقيع معاهدة لاتران، في 11 شباط 1929 بين الكرسي الرسولي وإيطاليا، والتي ارستها كهيئة ذات سيادة للقانون الدولي العام، أنشئت لضمان ان يتمتع الكرسي الرسولي، بصفته المؤسسة العليا للكنيسة الكاثوليكية، بـ"الاستقلال المطلق والظاهري وضمان له سيادة لا تقبل الجدل حتى في المجال الدولي"، وفقا لما جاء في ديباجة المعاهدة (هنا، هنا).
تبلغ مساحة دولة الفاتيكان 44 هكتارا فقط، وهي أصغر دولة مستقلة في العالم، سواء من حيث عدد السكان أو الامتداد الإقليمي.
النتيجة: اذاً، لا صحة للمزاعم ان الصورة المتناقلة تظهر "فاتيكا، إلهة العالم السفلي في الحضارة الإترورية القديمة، والتي يستمد الفاتيكان اسمه منها". في الواقع، الصورة تظهر قطعة أثرية لرأس جونو، الإلهة الرومانية القديمة الحامية، والتي تعود الى نحو 500- 480 ق.م. وهي معروضة في أحد المتاحف في برلين بألمانيا. وبالنسبة الى الإلهة فاتيكا، لم يمكن خبراء سألتهم "النهار" العثور على اسمها بين آلهة الحضارة الإترورية، بما يعزّز فرضية انه مختلق. أما تسمية الفاتيكان، فلها شرح مغاير.