الأمر "مقلق"، بتعبير مستخدمين، "صادم". "مجلس النواب الأميركي أقرّ مشروع قانون يجعل الكتاب المقدس غير قانوني" في الولايات المتحدة، الامر الذي سيؤدي الى "منع الأميركيين من قراءته". وقد دفع هذا النبأ عديدين إلى أن يطلوا أخيرا عبر حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، للتعبير عن مخاوفهم من قمع ايمانهم المسيحي في اميركا. "تذكروا، لا يريدون ان تقرأوا الكتاب المقدس"، كتبت احداهن.
الا أنّ مشروع القانون المشار إليه لن يحظّر العهد الجديد في الكتاب المقدس، وفقا لما شرح خبراء قانونيون عديدون. بدلاً من ذلك، سيتطلب الأمر من وزارة التعليم استخدام تعريف معيّن لمعاداة السامية عندما تطبق قوانين مكافحة التمييز الفيدرالية في حرم الجامعات. FactCheck#
- جدل -
ويلزم القانون وزارة التعليم في الولايات المتحدة باستخدام التعريف العملي لمعاداة السامية، الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، وهو ان "معاداة السامية هي تصور معين لليهود يمكن أن يتجلى بكراهية تجاههم. وتستهدف المظاهر الخطابية والمادية لمعاداة السامية أفرادا يهودا أو غير يهود و/أو ممتلكاتهم ومؤسسات مجتمعية وأماكن عبادة" (هنا، هنا، هنا، هنا).
كذلك يتضمن التعريف الإشارة إلى "حرمان الشعب اليهودي من حقه في تقرير المصير، من خلال الادعاء أن إسرائيل دولة عنصرية، وإجراء مقارنات بين السياسة الإسرائيلية المعاصرة وسياسة النازيين" (هنا).
وأثار مشروع القانون جدلاً في الولايات المتحدة. ففي وقت رحّب به نواب لاعتبارهم انه "من المهم أن اتخاذ إجراءات صارمة ضد الكراهية المعادية للسامية داخل الولايات المتحدة" وقال مؤيدون إنه سيساعد في مكافحة معاداة السامية في الحرم الجامعي، رأى معارضون أن التشريع "يتجاوز هذه الحدود ويهدد بقمع حرية التعبير"، و"التعريف مفرط في التوسع، ويمكن أن يؤدي إلى قضايا الرقابة".
ووسط هذه الاجواء، انتشر كلام ان "مشروع القانون يمكن أن يدين المسيحيين بمعاداة السامية لإيمانهم بالإنجيل الذي يقول إن يسوع أُسلمه اليهود إلى هيرودس ليصلب"، وإن "الإنجيل نفسه يفي بتعريف معاداة السامية بموجب شروط مشروع القانون".
وتجاه ذلك، عبّر مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي عن استياء ومخاوف. "لقد منعوا الكتاب المقدس في دولة "مسيحية"، و"هل جعل مجلس النواب أجزاء من الكتاب المقدس غير قانونية؟"، وردّ المذيع الاميركي تاكر كارلسون: "نعم، العهد الجديد".
- لا حظر للكتاب المقدس -
لكنّ ريتشارد باينتر، أستاذ القانون بجامعة مينيسوتا، قال لموقع USA TODAY إن التشريع "لا يحظر العهد الجديد على الإطلاق"، كذلك لن يحظر النص الديني في المؤسسات الممولة اتحاديا. وأضاف: "أنتم لا تحظرون شيئا ما، بل تجعلون الأموال الفيدرالية مشروطة بشيء ما". و"هذا يختلف عن الحظر".
وفي حين أنه من الممكن تفسير بعض فقرات العهد الجديد بطرق تتناسب مع تعريف معاداة السامية في مشروع القانون، الا باينتر أوضح ان "هذا لا يعني أن العهد الجديد نفسه يفي بتعريف معاداة السامية".
بدوره، قال جيسون مازون، أستاذ القانون في جامعة إلينوي، إنه لا توجد طريقة معقولة لتفسير التشريع بأنه حظر للعهد الجديد، حتى في بيئة التعليم العالي.
وأوضح انه "لم يُفهم الباب السادس اطلاقا أنه يطلب من المدارس وغيرها من المستفيدين من التمويل الفيدرالي، إزالة كتب أو حظرها في الحرم الجامعي على أساس أنها قد تحتوي على مواد مسيئة". كذلك، "لا يوجد شيء في قانون التوعية على معاداة السامية يفرض مثل هذا الشرط. وإذا فعل ذلك، فسيكون ذلك انتهاكا واضحا للتعديل الأول".
- "توقعات بعيدة المنال" -
في الواقع، هناك إشارة واحدة فقط إلى العهد الجديد في تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لمعاداة السامية، مثل "استخدام الرموز والصور المرتبطة بمعاداة السامية الكلاسيكية (ادعاءات قتل اليهود ليسوع أو فرية الدم)، لوصف إسرائيل أو الإسرائيليين".
وراء فكرة أن اليهود هم المسؤولون عن صلب يسوع تاريخ طويل. "على مدى قرون، علَّمت الكنيسة أن اليهود مسؤولون عن موت يسوع، من دون أن تعترف، كما يفعل معظم المؤرخين اليوم، بأن يسوع أُعدم على يد الحكومة الرومانية، لأن المسؤولين اعتبروه تهديدا سياسيا لحكمهم"، على ما يقول المتحف التذكاري الأميركي للهولوكوست في موقعه على الانترنت.
وقد تنكرت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية رسميا لهذا الاعتقاد عام 1965. وفي كتاب صدر عام 2011، برأ البابا بنديكتوس السادس عشر مجددا اليهود من مسؤولية موت المسيح، الذي كانت عائلته وتلاميذه من اليهود.
ومع ذلك، استمرت المشاعر المعادية للسامية. وتقول رابطة مكافحة التشهير (ADL) في موقعها على الإنترنت: "لقد تم استخدام الأسطورة القائلة بأن اليهود قتلوا يسوع بشكل جماعي، والتي يشار إليها أيضا باسم "قتل الإله"، لتبرير العنف ضد اليهود لقرون عدة". "لقد اتفق المؤرخون، كذلك الزعماء المسيحيون، على أن هذا الادعاء لا أساس له".
إقرارٌ أول... وكي يصبح المشروع القرار تشريعاً ساري المفعول، يتعيّن على مجلس الشيوخ الأميركي أن يعتمده، قبل أن يحال على الرئيس الاميركي جو بايدن لتوقيعه ونشره.
وإذا تمّ توقيعه، فإن قانون التوعية على معاداة السامية سيتطلب من مكتب الحقوق المدنية التابع لوزارة التعليم استخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية عند تطبيق الباب السادس من قانون الحقوق المدنية.
وتقول الوزراة على موقعها إن قانون عام 1964 "يحظر التمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي في البرامج أو الأنشطة التي تتلقى مساعدة مالية فيدرالية"، بما في ذلك تلك الموجودة في الجامعات.
الا ان منتقدي مشروع قانون التوعية على معاداة السامية يرون فيه تجاوزا حكوميا من شأنه أن يثبط حرية التعبير في الحرم الجامعي.
وقال اتحاد الحريات المدنية الأميركي، في رسالة إلى الكونغرس بتاريخ 26 نيسان 2024: "على الرغم من أن مشروع القانون هذا لا يغيّر تعريف المضايقة، إلا أنه يوجّه وزارة التعليم للنظر في الخطاب المحمي لتحديد ما إذا كانت أي مضايقة قابلة للتنفيذ بموجب الباب السادس، بما في ذلك الادعاءات أن المدرسة مسؤولة عن بيئة معادية، كان الدافع إليها معاداة السامية". واشار إلى أن "تحديد الانتهاك قد يؤدي في النهاية إلى خفض تمويل المدارس".
الا ان مايكل ماكونيل، مدير مركز القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد أكد لوكالة فرانس برس أن المزاعم المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن مشروع القانون "توقعات بعيدة المنال" حول كيفية تطبيق قانون التوعية على معاداة السامية.
وقال إن "احتمال تطبيق مشروع القانون على الكتاب المقدس يقترب من الصفر"، مشيراً إلى أن التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة "يحمي حتّى خطاب الكراهية".
ووافقه في الرأي دان غرانوت، مدير العلاقات الحكومية في رابطة مكافحة التشهير، قائلا إن "قانون التوعية على معاداة السامية لا يحظر الكتاب المقدس، ولا يجرم الخطاب أو الفكر المعادي للسامية، بما في ذلك الأسطورة القديمة المعادية للسامية المتمثلة في قتل الإله".
واشار الى أن استشهاد مشروع القانون بالتعريف العملي للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست "ليس سياسة جديدة". وقد استشارت وزارة التعليم الأمر ذاته منذ عام 2019، عندما ذكره الرئيس السابق دونالد ترامب في أمر تنفيذي بشأن مكافحة معاداة السامية.