النهار

"مقتنيات النبيّ وآثاره... مادّة خصبة لمروّجي الأخبار الزائفة لإثارة المشاعر وجذب المشاركات FactCheck#
المصدر: خدمة تقصي صحة الأخبار- أ ف ب
من ضريح مغطّى بقماش أخضر، إلى سيوف ودروع وملابس، لا تكاد الصور والفيديوهات التي يقول ناشروها إنها تعود للنبي، تُفارق مواقع التواصل الاجتماعي، في ظاهرة متواصلة منذ سنوات، تزداد وطأتها في المواسم الدينيّة، ويعزوها الخبراء بالدرجة الأولى لرغبة ناشريها بجذب التفاعلات والمشاركات على صفحاتهم وحساباتهم.
"مقتنيات النبيّ وآثاره... مادّة خصبة لمروّجي الأخبار الزائفة لإثارة  المشاعر وجذب المشاركات FactCheck#
صور متداولة بمزاعم خاطئة.
A+   A-
يعمد مروّجو الأخبار المضلّلة إلى استغلال المشاعر، وعلى رأسها المشاعر الإيمانيّة، لجذب المشاركات والتفاعلات لمنشوراتهم. في هذا السياق، ظهرت في السنوات الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربيّة عشرات المنشورات الزائفة ذات الطابع الديني، من بينها صور وفيديوهات عن مقتنيات وآثار منسوبة للنبيّ محمّد كشفت آراء الخبراء كما تقنيات البحث الرقميّ أن لا شأن لها بالنبيّ أو بالزمن الذي عاش فيه.
 
من ضريح مغطّى بقماش أخضر، إلى سيوف ودروع وملابس، لا تكاد الصور والفيديوهات التي يقول ناشروها إنها تعود للنبي، تُفارق مواقع التواصل الاجتماعي، في ظاهرة متواصلة منذ سنوات، تزداد وطأتها في المواسم الدينيّة، ويعزوها الخبراء بالدرجة الأولى لرغبة ناشريها بجذب التفاعلات والمشاركات على صفحاتهم وحساباتهم.

ويقول نظير عيّاد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميّة التابع للأزهر في مصر تعليقاً على انتشار الشائعات ذات الطابع الديني "الهدف من هذه الأكاذيب - سواء كانت علميّة أو تاريخيّة أو دينيّة - هو جمع التفاعلات" على صفحات مواقع التواصل.

ويدعو نظير عيّاد في حديث لخدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس مستخدمي مواقع التواصل إلى "القيام بمجهود للتأكّد من صحّة ما يُنشر" قبل إعادة نشره، "منعاً للمساعدة في انتشار الجهل بين الناس".
 
هذا ليس قبر النبي!
وفقاً للمصادر الإسلاميّة الأولى، دُفن النبيّ في بيته، على مقربة من المسجد الذي بناه في المدينة بعد هجرته إليها من مكّة في القرن السابع للميلاد. ومع توسيع المسجد تباعاً أصبح البيت والقبر داخل حرم المسجد المعروف باسم المسجد النبويّ، أو الحرم النبويّ. ويقع القبر في حجرة مغلقة من المسجد النبويّ، وهو محجوب عن الزوّار وعن عدسات التصوير.
 
لكنّ صوراً من تركياً أو من عُمان، لضريح معلّم صوفي أو لشخص غير مؤكّد الهوية، يُعاد نشرها على مواقع التواصل مع تعليق "هذا قبر النبيّ". ولا يكتفي الناشرون بذلك، بل يدعون متابعي صفحتهم لكتابة تعليق يُثبت "حُبهم للنبيّ" أو مشاركة المنشور "ليصل لأكبر عدد"، وغير ذلك من العبارات التحفيزيّة لتوظيف مشاعر المتابعين في الترويج للصفحة ومنشوراتها.

في هذا السياق، أصدرت خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس في السنوات الماضية خمسة تقارير على الأقلّ يبدأ عنوانها بعبارة "هذا ليس قبر النبيّ…".

ففي أيّار الماضي، نُشر مقطع فيديو قيل إنّه يصوّر الحُجرة التي دُفن فيها النبيّ محمّد، لكن تبيّن أنه مصوّر في العراق، في ضريح الشيخ عبد العزيز الجيلاني، وهو فقيه ومعلّم صوفي عاش في العراق في القرن الثاني عشر للميلاد، وهو ابن المعلّم الصوفيّ الشهير الشيخ عبد القادر الجيلاني، الذي ما زالت الطريقة الصوفية المنسوبة له "الطريقة القادريّة" تنتشر في معظم أرجاء العالم الإسلاميّ حتى اليوم.

قبل ذلك بأشهر، حصدت صورة قال مروّجوها أيضاً إنّها لقبر النبيّ آلاف التفاعلات، وهي تُظهر ضريحاً مغطّى بقماش أخضر. وكتب ناشروها العبارات التحفيزية نفسها على غرار "لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله" أو "انشرها ولك الأجر".
 
 
لكن تبيّن أن الصورة ملتقطة في الحقيقة في ضريح في سلطنة عُمان يسود اعتقاد بين السكان المحلّيين أنّه للنبيّ أيّوب، المكرّم في الديانات الإبراهيميّة الثلاث.

وفي العام 2020، نُشرت صورة تبدو ملتقطة من أعلى، قيل إنّها تُظهر قبر النبيّ، ارفقها الناشرون بعبارة "قبر الرسول، تجاهلها إن استطعت"، أو "قبر الرسول يستحقّ مليون إعجاب".

وبالفعل، استجاب عدد كبير جداً من مستخدمي مواقع التواصل مع هذه الصورة، فحصدت من هذه الصفحة وحدها آلاف المشاركات وعشرات آلاف التفاعلات.
 
 
لكن التفتيش عن الصورة على محرّكات البحث كشف أن ما يظهر في الصورة ليس سوى مجسّم معروض في "متحف دار المدينة المنوّرة للتراث العمراني" في المملكة العربية السعودية.

وفي العام نفسه، نُشرت صورة أخرى قيل إنّها لضريح النبيّ حققت رواجاً على موقع فيسبوك. لكن تقريراً لخدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس أظهر أن الصورة تُظهر في الحقيقة ضريح مؤسس الدولة العثمانية عثمان أرطغرل في ولاية بورصة شمال غرب تركيا. وتبيّن أيضاً أن مصوّري وكالة فرانس برس في تركيا التقطوا صوراً للضريح نفسه.
 
 
وفي العام 2018، نُشرت صورة لضريح مغطّى بقماش أخضر قال ناشروها أيضاً إنّها لقبر النبيّ داعين المتابعين للتفاعل معها. حصدت الصورة أكثر من 78 ألف مشاركة في صفحة واحدة إضافة لآلاف التفاعلات على صفحات أخرى.
 
 
لكن تبيّن أن الصورة تُظهر في الحقيقة قبر الفقيه والمتصوّف محمد بن عليّ العلويّ، الذي عاش في القرن الثاني عشر للميلاد، في جنوب سلطنة عّمان، بحسب ما أظهر تقرير لخدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس.

مقتنيات
إضافة إلى ذلك، حفلت صفحات مواقع التواصل في السنوات بصور قيل إنّها تُظهر مقتنيات عائدة للنبيّ، فنّدت خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس عدداً منها.

فمنذ تسع سنوات على الأقلّ، تتداول صفحات وحسابات على مواقع التواصل صورة على أنها تُظهر درعاً كان النبيّ محمّد يستخدمه في حروبه التي خاضها قبل 15 قرناً في شبه الجزيرة العربيّة.
 
 
لكن هذا الادّعاء غير صحيح، بحسب خبراء آثار استطلعت آراءهم وكالة فرانس برس، وأكّدوا - استناداً إلى الخطّ والزّخارف على الدّرع - أنها لا تعود إلى زمن النبيّ ولا إلى العصر الإسلاميّ الأوّل.

وكثيراً ما تُنسب مُقتنيات إلى النبيّ خطأ، بما في ذلك في متاحف في بعض البلدان "إما لأسباب سياسيّة أو لأسباب ترويجيّة"، بحسب ما يقول خبير الآثار الإسلامية المصري سامح الزهّار لوكالة فرانس برس.

وفي العام 2021، نشرت صفحات وحسابات صورة قيل إنّها تُظهر سيف النبيّ، لكن تبيّن في الحقيقة أن السيف - وطوله 92 سنتيمتراً - صُنع في مدينة طليطلة الإسبانيّة في القرن الخامس عشر وكُتب عليه شعار حكّام غرناطة بني نصر "لا غالب إلا الله".

وقبل أن تستحوذ عليه المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة عام 1865 كان محفوظاً في إسبانيا ضمن مجموعة من الأسلحة المعروفة باسم "سيف أبو عبد الله".

وفي السياق نفسه، نُشرت في العام 2024 صورة قيل إنّها تُظهر رداء للنبيّ، تبيّن أنه في الحقيقة رداء لأحد المصريين القدامى في متحفٍ إيطاليّ في تورينو مخصّص للحضارة المصريّة القديمة. ويعود الرداء المصنوع من الكتّان لأكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، خلال فترة حكم الأسرتين المصريّتين الخامسة والسادسة.
 
 
ويختم نظير عيّاد بالإشارة إلى أنّ أفضل طريقة لمواجهة أولئك الذين "يستغلون حبّ الناس للدين من أجل حصد التفاعلات على مواقع التواصل" هو التثبّت من أي خبر قبل تصديقه وإعادة نشره.

ويقول "مثلما أن اختلاق الكذب لا يجوز، المساهمة في ترويجه أيضاً لا تجوز".
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium