تداولت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في مصر "فايسبوك" خبرا يزعم بيع شركة سنتامين المالكة لمنجم السكري في مصر. الا ان الخبر مضلل تماما. FactCheck#
"النّهار العربي" دقّق من أجلكم
فقد نشرت حسابات على موقع "فايسبوك" خبرا يقول (من دون تدخل): "صفقة لبيع سنتامين المالكة لمنجم السكري في مصر بـ 2.5 مليار دولار".
ونشرت حسابات أخرى الخبر، ولكن بصيغة تقول (من دون تدخل أيضاً): "شركة جنوب أفريقية تستحوذ على منجم السكري في مصر".
حقيقة الخبر:
ولكن بعد تتبع مصدر الخبر، اتضح أنه مضلل تماما. وهو ما يمكن توضحيه على النحو التالي:
بداية، يشير الخبر الصادر عن قال ألبرتو كالديرون، الرئيس التنفيذي لشركة أنغلو غولد أشانتي، ونشرته وكالة "رويترز" بتاريخ 10 أيلول (سبتمبر)، الى أن "أنغلو غولد أشانتي" وافقت على شراء منافستها الأصغر "سنتامين"، التي تركز أعمالها على مصر في صفقة أسهم ونقدية بقيمة 2.5 ملياري دولار.
وقال كالديرون، الذي تم تعيينه رئيسا تنفيذيا للشركة الجنوب أفريقية في عام 2021، إن أنغلو غولد AngloGold عملت على مدار السنوات الثلاث الماضية على "ترتيب أولوياتها" قبل البحث عن أهداف الاستحواذ.
وبموجب هذا الخبر، فإن الاستحواذ من جانب شركة أنغلو غولد انصب على شركة سنتامين، وليس على منجم السكري، كما ذكر أحد الأخبار المتداولة.
ولكن لماذا وصفت شركة سنتامين منجم السكري بأنه من أصول المستوى الأول للشركة في بيانها الصادر بتاريخ 10 أيلول (سبتمبر) 2024 بعنوان: الشراء الموصي به لـ"سنتامين بي إل سي" بواسطة شركة "أنغلو غولد أشانتي بي إل سي"؟ وهل يحق لها وصف ما تملكه بأنه من أصول الشركة؟
بداية، تجدر الإشارة إلى أن التعريف بأصول المستوى الأول (Tier 1 asset)، وفق موقعي law insider و Investopedia، هو "قمة هذا التسلسل الهرمي لتقييم الأصول، وتتميز بالشفافية والسيولة".
وتعتبر هذه الأصول "المعيار الذهبي" من حيث الموثوقية لتقييمات القيمة العادلة، لأن أسعارها ليست مجرد تقديرات. فهي أسعار المعاملات الفعلية في الأسواق النشطة. وهذا يعني أن قيمة أصول المستوى الأول مشتقة من الأسعار المعلنة، التي يمكن ملاحظتها في الأسواق النشطة للأصول أو الالتزامات المتطابقة، والتي يمكن أن تشمل الأسهم المدرجة في البورصات الرئيسية، والسندات ذات أحجام التداول العالية، والصناديق المتداولة في البورصة.
ومن "منظور محاسبي"، وفق موقع fastercapital، تعمل أصول المستوى الأول على تبسيط عملية إنشاء البيانات المالية، اذ لا توجد حاجة لنماذج أو افتراضات معقدة لتحديد قيمتها العادلة. وبالنسبة للمستثمرين، تقدم هذه الأصول صورة واضحة عن قيمتها، مما يجعلها الخيار المفضل لأولئك الذين يبحثون عن الشفافية وسهولة التقييم.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه على الرغم من أن أصول المستوى الأول توفر مزايا معينة، إلا أنها لا تخلو من الأخطار. ويمكن أن تؤثر تقلبات السوق بشكل كبير على قيمتها. وعلى الرغم من أن التقييم واضح ومباشر، فأنه لا يضمن الاستقرار أو الحصانة من تقلبات السوق.
ولا ينسحب وصف الأصول بشكل عام على الملكية فحسب، إنما يعود أيضاً إلى حقوق الانتفاع أو الإدارة والتحكم بشكل كامل في أحد الأصول، وهو ما ينطبق على منجم السكري وشركة سنتامين، بحسب الباحث الاقتصادي المصري محمود سعدي الوالي في تصريحات لـ"النهار العربي".
ويقول الوالي إن العلاقة بين مصر وشركة سنتامين ومنجم السكري تنظمها أحكام قانونين رئيسيين، الأول القانون الرقم 222 لسنة 1994، والذي بموجبه تم التعاقد بين الدولة المصرية ممثلة هيئة المساحة الجيولوجية (الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية حاليا)، والشركة الفرعونية لمناجم الذهب الأوسترالية (التي امتلكتها شركة سنتامين لاحقا) للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها في إطار تشاركي.
ووفق هذا القانون، تقوم العلاقة التعاقدية بين الدولة المصرية والشركة الفرعونية على المشاركة بنسبة 50% من الأرباح، وليس الإنتاج، بجانب مبلغ نقدي بنسبة 3% من الأرباح، تحت مسمى "إتاوة" تدفعها الشركة للدولة المصرية، لا تسترد في ما بعد، مقابل عدم حصول الحكومة المصرية على أي ضرائب، بمعنى أن أرباحها تكون معفاة من الضرائب.
ويتابع الوالي أنه "بموجب القانون أيضاً تكون كل المعدات والمواد اللوجستية التي تستخدمها الشركة في عمليات التنقيب معفاة من الجمارك".
وفي ايار 2005، تم إنشاء شركة للعمليات تحت مسمى "شركة السكرى لمناجم الذهب" بمنطقة امتياز قدرها 160 كلم2 جنوب غرب مدينة مرسى علم بحوالي 30 كلم، وبدأت أنشطتها فعليا عام 2009، وفق القانون 222 لسنة 1994.
ولفت الباحث الاقتصادي المصري إلى أن حق الامتياز، بحسب مواد القانون، هو 30 عاما قابل للتمديد بالمدة ذاتها، بشرط أن تخاطب الشركة الحكومة المصرية قبل انتهاء المدة بـ6 أشهر مع تقديم دراسة جدوى تشرح أسباب التمديد.
وبالنسبة إلى القانون الثاني المنظم للعلاقة حول السكري، فهو القانون الرقم 145 لسنة 2019، والذي جاء مكملا للقانون السابق رقم 222 لسنة 1994. وتضمن، بحسب الوالي، عقدا جديدا بين الحكومة المصرية وشركة سنتامين، التي حصلت بموجبه على حقوق التنقيب وحق الانتفاع بالمنطقة المحيطة بمنجم السكري على مساحة تزيد عن 2600 كلم2.
ووفق القانون الجديد، زادت نسبة "الأتاوة" إلى 5% من الأرباح. كذلك، فإن أرباحها ومعداتها غير معفاة من الضرائب والجمارك كما كان في القانون الرقم 222 لسنة 1994. كذلك لا يجوز التنازل عن تراخيص الاستغلال والتنقيب لأي شركة أخرى، إلا إذ توافرت في هذه الشركة الجديدة الشروط ذاتها للكيان الأصلي الذي حصل على التراخيص.
في النهاية، يؤكد الباحث الاقتصادي المصري محمود سعدي الوالي أن شركة سنتامين لا تملك منجم السكري، وفق بنود التعاقد الذي صدرت بقوانين، ولكن الأمر لا يعود حق انتفاع فقط لا غير.
وإدراج شركة سنتامين لمنجم السكري ضمن أصولها أمر اقتصادي محاسبي مشروع قانونا، لأنها تتضمن العقود وأنشطة الشركة، بحسب الوالي، ولا يعني امتلاكها له.
الخلاصة: منجم السكري مملوك لمصر، وشركة سنتامين لديها حق انتفاع للمنجم لمدة 30 عاما بشروط محددة، وفق قوانين سارية منذ عام 1994. وبالتالي فإن استحواذ شركة أنغلو غولد أباتشي عليها يعني انتقال حق الانتفاع للأخيرة، ولكن بعد مراجعة الحكومة المصرية وفق القانون الرقم 145 لسنة 2019، وهو شرط أساسي لاستكمال تنازل سنتامين عن تراخيص التشغيل والتنقيب في منجم السكري.