مع تزايد ارتفاع حرارة المحيطات، تتغيّر أنماط الأعاصير بشكل ملحوظ. وتؤدي الحرارة المتزايدة لكوكبنا دوراً حاسماً في تعزيز ظاهرة "الاشتداد السريع" لقوة الأعاصير. يُشير هذا المصطلح إلى الزيادة الحادة في سرعة الرياح في فترة زمنية قصيرة، وعادة ما تكون 35 ميلًا في الساعة أو أكثر خلال 24 ساعة. وفي هذا العام مثلاً، أظهر إعصارا "هيلين" و"ميلتون" هذه الظاهرة بوضوح، إذ اشتدّا بشكل سريع قبل أن يضربا السواحل الأميركية.
خلال العقدين الماضيين،بحسب موقع ناشيونال جيوغرافيك، أصبح من الملاحظ أن الأعاصير ذات الاشتداد السريع تتزايد من حيث العدد والشدّة، ما يضع السكان والبنية التحتية في مواجهة أخطار غير مسبوقة.
ومثلاً، في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، تحوّلت العاصفة الاستوائية "أوتيس" إلى إعصار من الفئة الخامسة خلال 24 ساعة ، وبلغت سرعة رياحها 165 ميلًا في الساعة. كذلك شهد إعصار "لي" قفزة مشابهة في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، فتضاعفت سرعته من 80 إلى 165 ميلًا في الساعة.
يعتبر الارتفاع المستمر في درجات حرارة المحيطات العامل الرئيسي الذي يسهم في تسارع هذه الظاهرة. إذ تعمل المياه الدافئة على توفير الطاقة اللازمة لتغذية الأعاصير، إضافة إلى عناصر أخرى، ما يصعِّب التنبؤ الدقيق بقوتها المستقبلية.
أوضحت دراسة نُشرت في مجلة "نيتشر" أن العواصف ذات الاشتداد السريع أصبحت أكثر شيوعاً قرب السواحل مقارنة بحالها قبل 40 عاماً. ألقت هذه الدراسة الضوء على أعاصير مثل "إيان" في عام 2022 و"مايكل" في 2018، وقد تسبّبا في دمار واسع وأضرار اقتصادية بمليارات الدولارات، ما يعزز الفهم العلمي بأن الاشتداد السريع أصبح ظاهرة يجب الاستعداد لها بشكل أكبر.
ويزيد خطورة تلك الظاهرة أن عمليات الإجلاء تكون أحياناً غير كفؤة نتيجة للتغيرات المفاجئة في شدة العاصفة. ومثلاً، إن إعصار "هيلين" الذي ضرب فلوريدا في أيلول (سبتمبر) 2024، وصل إلى الفئة الرابعة قبل وصوله إلى اليابسة، متسبّباً في دمار كبير وخسائر بشرية تقدّر بأكثر من 230 قتيلًا، إلى جانب فيضانات وانهيارات أرضية واسعة النطاق في ولايات عدّة.
رغم التقدّم التكنولوجي في مجال التنبؤات الجوية، ما زال "الاشتداد السريع" يمثّل تحدياً كبيراً للعلماء والمتخصصين. إذ يتطلب التنبؤ بمثل هذه الظاهرة تحليلاً دقيقاً لعدة عوامل بيئية متغيّرة، مثل درجة حرارة سطح المحيط، ومستوى الرطوبة، وقوة الرياح في الغلاف الجوي العلوي. ومع تعدد تلك العوامل، تتعقَّد عملية جمع البيانات ، ما يضعف أحياناً دقة التنبؤات.
وحاضراً، يسعى العلماء إلى تطوير أدوات وأساليب جديدة لتحسين القدرة على التنبؤ بالاشتداد السريع للأعاصير، بما يُسهم في تقليل الأضرار المحتملة وتحسين استجابة المجتمعات المحلية عبر التحذيرات المبكرة.
تسهم المحيطات بشكل كبير في تحديد قوة الأعاصير. وحينما ترتفع درجة حرارة المياه، يزيد ذلك من كمية الطاقة التي تنتقل إلى الهواء عبر عملية التبخر، ما يسهم في تقوية الأعاصير. وكذلك يعمل الهواء الرطب المحيط بالإعصار على احتجاز الرطوبة والطاقة داخل العاصفة، فتزداد قوتها واستمراريتها.
وهنالك عوامل أخرى تتضافر مع ما ذُكر آنفاً في تشكّيل الظروف المثالية لحدوث ظاهرة "الاشتداد السريع".
يبدو أن الأعاصير ذات الاشتداد السريع ستستمر في الظهور بمعدلات أعلى في المستقبل، نظرًا لاستمرار ارتفاع حرارة المحيطات. ويحذّر العلماء من أن هذه الظاهرة ستصبح جزءاً أساسياً من الكوارث المناخية في المستقبل القريب. ويستدعي ذلك تحضير المجتمعات وتجهيز البنى التحتية لمواجهة هذه الأعاصير العنيفة التي قد تضرب مناطق ساحلية وداخلية على حد سواء.
ولقد شكَّل إعصارا "ميلتون" و"هيلين" تحذيراً واضحاً للعالم من أن تأثير التغيرات المناخية على الأعاصير أصبح ملموساً، ويجب على الدول والمجتمعات العمل على تطوير استراتيجيات أفضل للتعامل مع هذه الكوارث الطبيعية.