في السنوات الأخيرة، جرى الاعتداء على الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بشكل متكرّر، وبدا كأن الأزمة الاقتصادية تحوّلت إلى مبرر لبعضها. وفي كل مرة، تُصدر نقابة الأطباء بياناً تستنكر فيه تلك الاعتداءات، وتطالب باتخاذ التدابير اللازمة ومحاسبة المعتدين، خصوصاً في ظل تضحيات الأطباء الذين أصروا على البقاء في لبنان لتأدية واجبهم الإنساني والرسالة التي أقسموا يميناً لصونها.
في المقابل، لم تأت المحاسبة الفعلية إلا بصورة محدودة، مما أسهم في تكرار هذه الأفعال.
التمسك بالوطن وجراحة قلوب الأطفال
أمس، حدث اعتداء جديد على طبيب وهو يؤدي واجبه، وبعد أن أجرى جراحة ناجحة لطفلة عمرها خمسة أشهر.
وقد نشر مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" خبر ذلك الاعتداء، الذي لم يسبقة صدور أي فعل مستفز من قبل الطبيب. وجاء في البيان "إن هذا الحادث يسلّط الضوء على سلامة العاملين في القطاع الصحي أمام عنف بعض الأفراد، ومن الضروري معاقبة مثل هذه الأفعال بحزم".
يُشار إلى أن الطبيب المعنيّ هو الجراح الوحيد المتخصص في القلب لدى الأطفال، والذي لم يغادر لبنان. وقد دأب على إجراء جراحات للأطفال في مختلف المستشفيات الجامعية متمسكاً بأداء واجبه الإنساني، ورافضاً كل العروض التي قدمت له من خارج لبنان.
كذلك، أوضحت إدارة المستشفى لدى تواصل "النهار" معها بأن الطبيب كان قد أنهى الجراحة بنجاح، ثم حضر جميع أفراد العائلة إلى العناية الفائقة في قسم طب الأطفال، حيث وضعت الطفلة بعد العملية، وعددهم قرابة 20 فرداً. طلب الطبيب التحدث إلى الأب والأم وحدهما؛ وأثناء حديثه معهما تبين أنه يتم تسجيل حديثه عبر الهاتف، بالرغم من أنه كان حديثاً عادياً يوضح فيه مجريات الجراحة.
بالتالي، طلب الطبيب التوقف عن التسجيل، ورفض متابعة الحديث. وحينما همَّ بالمغادرة، سارع والد الطفلة إلى دفعه بعنف. بعدها، تبعه بعض أفراد العائلة، فأصيب الطبيب بعدة ضربات قبل أن يتمكن من الدخول إلى إحدى الغرف للاحتماء بها.
وكان من اللافت أن هذه الاعتداءات قد توقفت منذ نحو عام ونصف العام، وفق ما أوضحه نقيب الأطباء الدكتور يوسف بخاش في حديثه مع "النهار".
في المقابل، لم يربط بخاش الحادث بظروف الحرب أبداً، لكنه استغرب تكرارها.
وفي فترة سابقة، سادت ظروف اقتصادية صعبة، وعانت المستشفيات منها، فحدثت اعتداءات متكررة لأسباب عدة، وكلها لا تبرر تلك الاعتداءات.
كذلك بيَّن بخاش بأنه على الرغم من التقدم بشكاوى ضد الاعتداءات، فإن أي متابعة أو محاسبة لم تحصل.
وفي حادثة الأمس، تدخل نقيب الأطباء بصورة شخصية بعد أن تقدم الطبيب المُعتدى عليه بشكوى لدى القوى الأمنية، وتواصل مع وزير الداخلية لمتابعة مجريات التحقيق.
وأكد بخاش أن المعتدين استُدعوا إلى التحقيق، مع الإشارة إلى أنهم لن يفلتوا من العقاب. كذلك مُنِع جميع أفراد العائلة من الدخول إلى المستشفى مجدداً، باستثناء الأم التي سُمِحَ لها بالاطمئنان إلى وضع طفلتها.
ويؤكد بخاش أن النقابة ستصدر بياناً تدين فيه هذا الاعتداء على الجراح، الذي أنجز عملية معقدة بنجاح، وتصرّف بإنسانية ومسؤولية، ولم يخطئ أبداً تجاه أفراد العائلة الذين تهجّموا عليه.
كذلك أبدى بخاش أمله في حدوث محاسبة جدية هذه المرة، وأن ينال المعتدون عقابهم، حتى لا تتكرر مثل هذه الأفعال.