النهار

ضربة مزدوجة لإعصارين خربا فلوريدا وهزا عوالم السياسة ونظريات المؤامرة
أحمد مغربي
المصدر: النهار
، لم تتأخر السياسة عن الدخول إلى مشهدية الكارثة البيئية التي أحدثها إعصارا فلوريدا. إذ يعرف عن الحزب الديمقراطي تبنيه قضايا البيئة، بما في ذلك ضرورة التنبه والاستعداد لكوارثها، وكذلك توجيه أموال ضخمة للتعويض عن أضرارها. ويسير الحزب الجمهوري على عكسه بصورة شبه كليَّة، خصوصاً مع صعود التيار الشعبوي الضخم المؤيد للرئيس السابق دونالد ترمب الذي يُعرف أن أول قرار اتَّخذه بعد فوزه بانتخابات الرئاسة في 2016، تمثّل في انسحاب أميركا من "اتفاق باريس للمناخ 2015" الذي وضع الرئيس الأسبق باراك أوباما توقيعه عليه.
ضربة مزدوجة لإعصارين خربا فلوريدا وهزا عوالم السياسة ونظريات المؤامرة
- الأعاصير تحتاج إلى محيطات ضخمة كي تتكوَّن (موقع نووا)
A+   A-

بفارق لم يتخطَ الأسبوع، ضُرِبَتْ ولاية فلوريدا بإعصاري "هيلين" ثم "ميلتون". تسبب الإعصاران حتى الآن بمصرع نحو 250 شخصاً، وبتشرد الآلاف من العائلات، إضافة إلى انقطاع واسع للتيار الكهربائي عن المنازل والشركات والمؤسسات، وأغرقا في الظلام ملايين الأشخاص. يضاف إلى كل ذلك الأضرار المعنوية والنفسية الشديدة التي خلفتها الضربة البيئية المزدوجة.

وفي استطراد موجز، لم تتأخر السياسة عن الدخول إلى مشهدية الكارثة البيئية، إذ يعرف عن الحزب الديمقراطي تبنيه قضايا البيئة، بما في ذلك ضرورة التنبه والاستعداد لكوارثها،  وكذلك توجيه أموال ضخمة للتعويض عن أضرارها. لكن الحزب الجمهوري يسير في اتجاه معاكس، بصورة شبه كليَّة، خصوصاً مع صعود التيار الشعبوي الضخم المؤيد للرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يُعرف بأن أول قرار اتَّخذه بعد فوزه بانتخابات الرئاسة في 2016 تمثّل بانسحاب أميركا من "اتفاق باريس للمناخ 2015"، الذي وضع الرئيس الأسبق باراك أوباما توقيعه عليه.

واستطراداً، انخرط الحزبان في حرب معنوية متعددة الأوجه بشأن ضربات الأعاصير في فلوريدا، خصوصاً عبر منصات السوشيال ميديا.

مثلاً، راجت نظرية مؤامرة آتية من اليمين الجمهوري تتهم الحزب الديمقراطي باستخدام آلات سرية تتحكم بالطقس بغية توجيه الأعاصير إلى ولاية فلوريدا الموالية تقليدياً للحزب الجمهوري، والتي يتمتع فيها ترامب والتيار الشعبوي بتأييد جماهيري جارف.

على عكس ما قد يتوقعه البعض من بداهة زيادة التأييد لمن حذر من الكارثة قبل وقوعها، زادت الضربة الإعصارية المزدوجة من تأييد الجمهور لمن يعتقد بأن الحديث عن تغيير المناخ واضطراب البيئة وتفاقم الاحتباس الحراري وزيادة الكوارث الطبيعية مجرد اختلاق وتضليل!

 

العواصف والأعاصير والاحتباس الحراري

 

إذن، لنترك متاهة الحديث عن السياسة والسوشيال ميديا والتلاعب بالأفكار والعقول عشية انتخابات أميركية فائقة الحساسية ومحورية وحاسمة للولايات المتحدة والعالم، ولنحاول شيئاً ما أقل اضطراباً، على غرار التذكير بأن علماء المناخ شدّدوا دوماً على كون ظاهرة الاحتباس الحراري المرتبطة بالتلوثّ في الغلاف الجوي تسهم في ظهور تغيّيرات مناخية متطرفة وقاسية.

وعند قراءة الوصف العلمي لتَكَوُّن الأعاصير، يبرز بوضوح أنّ ارتفاع الحرارة في الهواء القريب من المحيط يؤدّي دوراً رئيسيّاً في تشكّلها. وتالياً، يصنع ذلك الأمر رابطاً واضحاً بين الأعاصير والاضطراب المناخي.

تذكيراً، يطلق اسم إعصار Hurricane على العواصف العاتية التي تندفع مع دورانها على نفسها حول مركز في وسطها. ويتألف مركز الإعصار من منطقة ضغط جوي شديد الانخفاض. ويبلغ معدل سرعة الإعصار 120 كيلومتراً في الساعة، بارتفاع 16 كيلومتراً، وعرض 800 كيلومتر، مع سرعة دوران نحو 32 كيلومتراً في الساعة، مما يشحنه بقوة تدمير ضخمة. وتأتي الخطورة الكبرى من كمية المياة التي يحملها الإعصار أمطاراً في ثناياه، إذ تتجمّع قوى الإعصار ومكوّناته تدريجاً خلال أسبوع أو أسبوعين. وكحد أدنى، يستلزم الأمر وجود مسطح مائي متّصل مع خط الاستواء من جهة وأحد القطبين من الجهة الثانية، وأن تزيد حرارة المياه السطحيّة عن 27 درجة مئويّة، كي تُعطي هؤاءً ساخناً ومشبعاً بالرطوبة يرتفع إلى الأعلى. حينذاك، تتكوّن منطقة كبيرة من الضغط المنخفض، مع هواء ساخن ورطب، فتصنع مركزاً للإعصار. ويؤدي اندفاع الرياح باتجاه المركز إلى حركة دورانيّة تتأثّر أيضاً بحركة دروان الأرض حول نفسها. وببرودتها الكبيرة، تُكمِل الكتل الهوائيّة التي تأتي من القطب تكوّن الإعصار، إذ تبرّد بسرعة الجزء العلوي من مركزه فتؤدي إلى حركة صعود وهبوط لأعمدة الهواء فيه. ولأن الهواء البارد أثقل من الحار، فإنّه ينزل إلى الأسفل. ثم يكتسب حرارة أثناء نزوله، فيعاود الارتفاع. ويؤثر دوران الأرض في حركة الصعود والهبوط، مما يجعل أعمدة الهواء تتلوى، إضافة إلى دورانها حول نفسها واندفاعها أفقيّاً. وتعتبر الحركات المتفاعلة الثلاث من أساسيّات تشكّل الإعصار.

 

فلوريدا بشوارع أغرقتها مياه اعصار ميلتون (غيتي)

 

أميركا ليست مستعدة!

 

قد تشي صور غرق فلوريدا تحت مياه أمطار حملها الإعصار "ميلتون"، وتلك التي تبقّت من نظيره "هيلين"، بمفارقة عن قصور البنية التحتيّة في الاستعداد للفيضانات في منطقة معرّضة لها باستمرار. ولكن شيئاً آخر يبدو في الأفق. الأرجح أنّها تركت أيضاً انطباعاً بهشاشة العمران المديني في القرن الـ 21 حيال الطبيعة التي يؤذيها الإنسان باستمرار. وهناك الفارق بين تقدّم الولايات المتحدة في سبل العيش المعاصر وأدواته وبناه ومعطياته، وتأخّر دول كبنغلادش أو الهند عنها. لكن فلوريدا بدت كأنها مدينة تئن تحت فيضانات في البلدين الأخيرين.

وفي تفاصيل أخرى، تدور الأعاصير التي تحصل في الطرف الشمالي من الكرة الأرضيّة بين القطب الشمالي والمحيط الأطلسي باتجاه عقارب الساعة. وتُسمّى "هيروكين" Hurricane بالإنكليزية. وتسير بعكس اتجاه عقارب الساعة في الطرف الجنوبي من الكرة الأرضية بين القطب الجنوبي والمحيطين الهادئ والهندي. وتُسمى "تايفون" Typhoon.

يلاحظ أنه منذ خمسينيات القرن العشرين، يختار العلماء بالتوافق اسماً بشريّاً للإعصار، يكون مذكّراً أو مؤنثّاً بالتناوب، وكذلك يتّبع التسلسل الأبجدي. وكان الإعصار "أليس" (1953) أول من طُبِقت عليه تلك الطريقة.

وفي أغلب الأحيان، تحدث الأعاصير بين شهري تموز (يوليو) وتشرين أول (أكتوبر) في المحيط الأطلسي، وشرق شمالي الهادئ وغربه الشمالي أيضاً. وتحصل بين تشرين الثاني (نوفمبر) وآذار (مارس) في جنوب خط الاستواء بين المحيط الهندي وأوستراليا.

اقرأ في النهار Premium