النهار

كيف تؤثر الحرب في لبنان على العلاقات الزوجية؟
فاطمة عباني
المصدر: النهار
كيف تؤثر الحرب في لبنان على العلاقات الزوجية؟
مدينة صيدا (أ ف ب)
A+   A-

في حياتنا، لا يقتصر الاستثمار على الممتلكات والعلم والصحة فقط، بل تعد العلاقات الشخصية أهم استثماراتنا. لكنها، مثل الأسواق المالية، تتأرجح بين المكاسب والخسائر مع تبدل الظروف. في لبنان، الحرب لا تقتصر على الدمار المادي والنزيف البشري، بل تترك آثارها على القلوب والعلاقات. 

في هذا السياق، تواصلت صحيفة "النهار" مع الاختصاصية في علم النفس العيادي-التكاملي فاتن جميل الحلبي لطرح مجموعة من الأسئلة بشأن التحديات التي يواجهها الأزواج، وخاصة أولئك الذين أسسوا عائلة ولديهم أطفال.

 

ما أبرز المشاكل التي قد تطرأ بين الزوجين في أوقات الحروب والأزمات؟
تقول الحلبي: "تتعدد المشاكل التي يمكن أن تظهر في هذه الفترة، وأبرزها العوامل الخارجية، مثل فقدان العمل والأزمات المادية الناتجة عن ذلك، ما قد يعوق تلبية احتياجات الأسرة. وإذا كانت الأزمات المالية تحدياً في الأوقات العادية، فإنها تصبح أكثر تعقيداً في زمن الحرب. وبالتالي، تزداد الضغوط عندما تترافق هذه الضائقة المادية مع التهديدات الأمنية المباشرة التي تؤثر على سلامة الأسرة، ما يضع العلاقة تحت ضغط كبير. خصوصاً في الحالات التي يفقد فيها الرجل عمله، تبرز مشكلة عدم التوازن في توزيع المهام وتنظيم الوقت. فالزوجة قد تتوقع منه تلقائياً أن يتقاسم معها المسؤوليات المنزلية ويقدم المساعدة، بينما قد يكون هو منشغلاً بمتابعة أخبار الحرب والأحداث الجارية". 

وتضيف: "في بلد مثل لبنان، حيث تتنوع الخلفيات السياسية والمعتقدات، قد تظهر خلافات حادة بشأن القضايا الكبرى مثل القضية الفلسطينية أو اعتبار البعض أن دخول لبنان في الحرب أمر عبثي. في الظروف العادية، قد يتمكن الزوجان من التغاضي عن تلك الاختلافات، لكن عندما تسيطر الحرب على كل حديث ومشهد، يصبح من الصعب تجاهل التباين في وجهات النظر. وتزداد الأمور تعقيداً عندما تتدخل عائلتا الطرفين في النقاش، خصوصاً مع انتشار مجموعات الواتساب العائلية".

وتتابع: "الطباع المختلفة تمثل مشكلة أخرى. فقد يكون أحد الشريكين اجتماعياً أكثر من الآخر، ففي حين يفضل الشريك الاجتماعي قضاء المزيد من الوقت مع العائلة خلال وقت الحرب، قد يشعر الشريك الآخر بأن مساحته الشخصية تُنتَهك. هذا الاختلاف في التوجهات قد يؤدي إلى التوتر والغضب، ما يخلق مواجهة بين الشريكين".

 

"شبح الحرب"

تشير الحلبي إلى مصطلح "شبح الحرب" لما يحمله من رمزية نفسية، واصفة إياه بأنه "قوة خفية تهز عالمنا الداخلي". وتوضح أن الصدمات والمخاوف النفسية التي نحملها تبرز في الأزمات: "كل لبناني يحمل مشاعر وانفعالات عميقة نتيجة التاريخ الذي مررنا به، والصدمات التي انتقلت عبر الأجيال نتيجة عدم اللجوء إلى المتخصصين النفسيين... هذه الصدمات المتراكمة داخل جهازنا العصبي تبرز مجدداً وتؤدي إلى توترات بين الزوجين".

 

خوف فقدان من نُحبّ..

 من المفارقات أن الحرب قد تفاجئنا بتأثيرها على العلاقة الزوجية. ففي بعض الأحيان، على الرغم من القواسم المشتركة بين الزوجين، فإن ضغوط الحياة اليومية والتراكمات قد تؤدي إلى تباعدهما. ومع ذلك "قد تكون الحرب فرصة لإعادة التقارب بينهما، إذ تعيد إحياء الذكريات المشتركة التي دفعتهما في البداية لتأسيس حياتهما معاً. في لحظات الخوف من فقدان الشخص الذي نحب، نشعر بعمق الروابط التي تجمعنا ونستعيد أهمية وجوده في حياتنا".

 

هل من المفترض أن يقرّب الحزن الأزواج من بعضهم؟ 
تقول الحلبي: "لا توجد قاعدة ثابتة لهذا الأمر، فكل شخص يتعامل مع الحزن بطريقته الخاصة. ردات الفعل تختلف بناءً على عوامل عدة، منها التربية، والتجارب السابقة التي مر بها الفرد في طفولته، وقدرته على التعامل مع الأزمات. كما تلعب الطباع الشخصية والعوامل الواقعية دوراً كبيراً، مثل الوضع المالي الذي يمكن أن يخفف من التوتر أو يزيده. فالقدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية مثل الطعام، الدفء، والمأوى هي عامل أساسي. وعندما تنعدم هذه الأساسيات، يصبح من الصعب التفكير في الحب والعلاقات".

 

ما هي الخطوات التي يمكن اتباعها لضمان تجاوز العلاقات الزوجية هذه الحرب بسلام؟ 

"يجب بذل الجهد من أجل تحسين العلاقة والترابط في العلاقة دائماً ولكن في زمن الحرب ربما نحتاج إلى إضافة لمسة مختلفة وأكبر"، تقول الحلبي.

وتنوه إلى أن المشكلة لا تنشأ من العدم، بل هي عادة نتيجة أنماط متكررة في السلوك، مؤكدة أن "تغيير تصرف واحد من الشريك قد يكون كافياً لتقليص المشكلة".

تشدد على أهمية التواصل الفعال والإصغاء لتفهم احتياجات الشريك، والاعتراف بالاختلافات بين الرجل والمرأة سواء من الناحية العقلية، الاجتماعية أو التربوية. وتوصي بضرورة اعتماد روتين يومي يحدد أوقاتاً ثابتة مثل تناول الطعام معاً، مشاهدة فيلم، أو الاتفاق على توزيع المهام المنزلية. "يساعد هذا النظام المتفق عليه في تهدئة الجهاز العصبي وتقليل التوتر".

كذلك، تركز  الحلبي على أهمية الاعتذار عند ارتكاب خطأ، وتدعو كل شريك إلى ممارسة نشاطات شخصية تمنحه الراحة الجسدية والنفسية لمواجهة المرحلة الصعبة.
وتشير إلى أن النوم هو عامل أساسي، إذ إن معظم التوترات والتشنجات تنتج عن الأرق الذي يتفاقم بسبب المتابعة المفرطة للأخبار.

 

الاحترام كقاعدة أساسية 
تختم الحلبي بالقول إن العلاقة الزوجية تشكل تحدياً يتطلب جهداً مستمراً سواء في أوقات الشدة أو الرخاء، مع التشديد على أهمية الحفاظ على الاحترام كقاعدة أساسية لاستمرار العلاقة. وتضيف: "ديناميكية العلاقة قبل الحرب هي العامل الأهم. فإذا كانت العلاقة مبنية على أسس صحية وتتوفر فيها مهارات حل الخلاف، فبوسع الزوجين تجاوز أي أزمة، مهما كانت شدتها".

اقرأ في النهار Premium