هل نشهد أزمة دواء بسبب الحرب؟
هل نشهد أزمة دواء بسبب الحرب؟
تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي نداءات متواصلة لتوفير أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية للنازحين. وتُنشر أرقام مسؤولين وأسماء أدوية مطلوبة للنازحين أو من يتعاملون معهم مباشرة. وبدا ذلك وسيلة بديلة وعاجلة لتلبية حاجات الناس، بحسب كل منطقة.
في المدارس الرسمية التي تحولت إلى مراكز إيواء في مختلف المناطق اللبنانية، تواصل وزارتا الصحة العامة والشؤون الاجتماعية وبعض الجمعيات المعنية، إضافة الى مبادرات فردية، متابعة الوضع الصحي للنازحين على اختلاف أعمارهم ومواكبة حالتهم من كثب.
العلاقة مع الصيدليات
ثمة تنوّع في حاجات الناس. ففي حين يشكو البعض عدم القدرة على شراء الأدوية من الصيدليات، لأن الأخيرة لا تُبيع إلّا لزبائنها، بينما يؤكّد البعض الآخر أنه يشتري أدويته من الصيدليات بشكل عادي وطبيعي، ولكن بكمية محدودة جداً لا تتخطّى علبتين للصنف الواحد.
وفي ظل الحرب والفوضى، واستناداً إلى التجارب السابقة، يخشى كثيرون أن يصبح الدواء حكراً على أشخاص دون سواهم، أو أن تذهب المساعدات الى فئة دون أخرى، أو أن تختفي وتتبخّر، وأن نشهد استغلالاً للأزمة حتى من باب الصحة والطبابة.
في ثانوية جل الديب، يؤكّد المسؤول عن المركز في حديث الى "النهار"، أن "في المدرسة حوالى 271 نازحاً بينهم 150 يعانون أمراضاً مزمنة ويحتاجون إلى أدوية الضغط والسكري والقلب وغيرها. صحيح أن النزوح فرض تغييرات كثيرة على مختلف الصعد، لكن الهاجس الصحي يبقى الطاغي الأساسي".
قد يصعب على كثيرين متابعة حالتهم الصحية مع أطبائهم، أو شراء أدويتهم من الصيدليات المعتادة التي كان يقصدونها في مناطق سكنهم، غير أن ذلك يجب ألا يحرمهم أدنى مقومات الحياة الأسياسية، أي الحق في الدواء والطبابة.
وكذلك، تتابع وزارتا الصحة والشؤون الاجتماعية وبعض الجمعيات المعنية حال النازحين الصحية، وتؤمّنان لهم الأدوية المطلوبة، بحسب مسؤول المركز في ثانوية جل الديب. ويوضح، أن قلّة تشتري الدواء من الصيدليات بشكل طبيعي، مشيراً إلى أن "وفداً من الأطباء يجول على مراكز الإيواء لفحص النازحين ومتابعة أحوالهم الصحية".
زيادة الطلب 4 أضعاف
لا يختلف واقع ثانوية جل الديب عن باقي المدارس الرسمية الأخرى، لكن الأمر يختلف في المراكز الأخرى.
في المقابل، ثمة شكوى من ميل بعض الصيدليات إلى تفضيل زبائنها المعتادين، فتعطيهم الأولوية حتى على حساب النازحين أحياناً.
ومثلاً، يعترف الصيدلاني يامن المهتار لـ"النهار" في عرمون، بـ"زيادة الطلب على الأدوية بمقدار 4 أضعاف ما كان قبل اشتداد الحرب وقصف إسرائيل لمنطقة الضاحية في بيروت. وقد أدّى هذا النزوح الكبير الذي شهدته المنطقة إلى زيادة الطلب على الأدوية المزمنة، كالضغط والسكري والكوليسترول وأمراض القلب، في حين أن شركات الأدوية تُسلّمنا كميات محدودة.
وبالتالي، فإن كمية الأدوية التي كانت تكفي لسكان البلدة، باتت اليوم قليلة جداً مقارنة بالحاجة وزيادة الطلب. ولا تتعلق المسألة برفض بيع الأدوية إلى النازحين، وإنما بالكمية المحدودة التي تفرض على الصيدلي أن يُجيّرها لمن هم أكثر حاجة إليها".
ويؤكّد أن "لا تمييز بين نازح وأهل البلدة، ومن يحتاج إلى الدواء يحصل عليه. ولكن، لا أملك مخزوناً كافياً لتلبية كل الحاجات، لذلك علينا أحياناً أن ننفي وجود بعض الأدوية".
الأدوية المزمنة في الصدارة
قد يكون الوضع في بعض المناطق الجبلية مختلفاً عن المدينة وضواحيها، حيث يكون توزيع الأدوية أكبر بحكم الزيادة السريعة في الاستهلاك نتيجة الكثافة السكانية فيها.
ويشير الصيدلي يامن المهتار إلى أن إحدى شركات الأدوية المحلية "طلبت الدفع "بالكاش" حتى تقبل تسليم الطلبية، من دون أن تأخذ في الاعتبار وضع البلد وناسه".
في مقلب آخر، يختلف المشهد في منطقة جل الديب والجديدة والدكوانة، حيث لا مشكلة في تسليم الدواء. وقد أكّد أكثر من صيدلي لـ"النهار" أن "الطلب على الأدوية المزمنة ازداد بنسبة 50 في المئة خصوصاً في الأسبوعين الأخيرين، فكلما زاد القصف ارتفع منسوب القلق والهلع عند الناس".
لا احتكار أو تخزين
مع ذلك، لا يجد الصيادلة أن هناك أزمة دواء حتى الساعة. إذ تُسلِّم شركات الأدوية الكميات المطلوبة ولا حصار يمنع وصول الشحنات، وبالتالي، تستمر القدرة على تلبية حاجات الناس، ولاسيما منهم الذين يعانون أمراضاً مزمنة.
ويشير أحد الصيادلة إلى أن استمرار الطلب بهذه الوتير المرتفعة قد يوصل إلى وقت ينتهي فيه المخزون. ويضيف: "لا أحد يمكن أن يعرف مسار اتجاه الأمور. علينا الترقب والتحلّي بالوعي، والأهم بالنسبة إلينا أن يبقى باب الشحن مفتوحاً لتلبية حاجات السوق الدوائية، واعتماد سياسة تسليم الدواء من دون احتكار أو تخزين".
في المقابل، يشرح صيدلي آخر أن "هناك أشخاصاً وجمعيات يعمدون إلى شراء الأدوية الأكثر طلباً وتسليمها الى النازحين في مراكز الإيواء. وقد أعددنا صناديق أدوية مطلوبة وفق المبلغ المرصد لكل طرف أو جهة أو مبادرة إنسانية، والتي تُعتبر أساسية في تغطية حاجات الناس في هذه الظروف الصعبة. ولكن لا نشهد تخزيناً للدواء أو احتكاره، وإنما طلباً متزايداً خوفاً من التصعيد وتوسّع الحرب".