الإصابات والحروق التي أضرّت باللبنانيين جراء تفجيرات البيجر، ولاحقاً جراء القصف الإسرائيلي، تحتاج إلى علاج يمتد على مراحل عدة. فبعد المعالجة الأولى والمتابعة، تبدأ رحلة طويلة من العلاج والجراحات والعذاب.
يؤكد ذلك الطبيب الاختصاصي في جراحة التجميل والترميم في "المستشفى اللبناني الجعيتاوي"، الدكتور جان مارك سعيد. فبعد إنقاذ حياة المصاب بحروق في الفترة الأولى ومساعدته على تخطّي المضاعفات الأولى للحروق، تبدأ رحلة معاناة مع جراحات ترميم وتجميل متكررة. تهدف الجراحات إلى استعادة ما فقده من الجلد، الذي يعتبر العضو الأكبر في الجسم على الإطلاق، والحاجز الذي يحمي كلّ أعضائه من أيّ أذى خارجي.
كيف تعالج الحروق في المرحلة الأولى؟
تعتبر الحروق أصعب الإصابات التي يمكن أن تطاول الجسم، بالنظر إلى حجم الجلد وأهميته. ويستدعي ذللك التعامل معها بكثير من الحرص. لذلك، يشدد سعيد على أن الحروق التي تصيب 20 أو 30 في المئة وما فوق لدى الراشد، و15 في المئة أو أكثر لدى الطفل، تستوجب حتماً الدخول إلى المستشفى مباشرة.
يمثّل الإنعاش أول الخطوات الأساسية في العلاج، لأن الحروق تترافق مع خسارة نسبة عالية من سوائل الجسم؛ ويصبح من الضروري تأمين الأمصال لتعويض السوائل المفتقدة، وفق جرعات تتناسب مع المساحة التي تعرضت للاحتراق. هذه الخطوة أساس المعالجة خلال الـ48 ساعة الأولى التي تلي الإصابة. وفي الأيام اللاحقة يجري التركيز على التعامل مع الالتهابات. وتُعطى حقن الكزاز والمضادات الحيوية وفق نوعية كلّ حالة.
أما الخطوة الأساسية الثانية فتتجسّد، بحسب سعيد، في التقنية الجراحيةEscharotomy ، التي تقضي بإحداث شق جراحيّ في الجلد في المكان المصاب بحروق تجنباً للضغط الزائد على الأعضاء الداخلية والأعصاب والشرايين. إنها جراحة طارئة لحماية بقية أعضاء الجسم.
وتتطلّب هاتان الخطوتان ما يتراوح بين أسبوعين وبضعة أشهر، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بحروق من الدرجة الثالثة.
وقد يحصل شفاء تلقائي في الحروق من الدرجات الأولى والثانية، قد يمتدّ إلى 21 يوماً، مع الرعاية المناسبة. لكن حروق الدرجة الثالثة لا تشفى خلال تلك الفترة؛ وبالتالي، تستوجب حتماً المعالجة في المستشفى، ثم الجراحات الترميمية.
ماذا عن الجراحات الترميمية؟
يعتبر زرع الجلد أوّل التقنيات الجراحية التي يجب اللجوء إليها بعد التعرض لحروق، وذلك بعد أخذ الجلد من مواضع سليمة ووضع رقع في المواضع المحترقة. وهذا النوع من العمليات لا يجرى دفعة واحدة بل عبر جراحات متعددة، بمعدل 3 أو 4، وصولاً إلى العشرات منها، خصوصاً في الحروق العميقة والواسعة. وبحسب سعيد، ففي بعض الأحيان، يُستعان بالجلد الاصطناعي. وإذا حدث التهاب بكتيري قد تظهر الحاجة إلى تكرار العملية.
هل تختلف جراحات الترميم بين الأطفال والراشدين؟
بشكل أساسي، تجرى الجراحة ذاتها للأطفال والراشدين في عملية زرع الجلد. وإذا ضربت الحروق على المفاصل، فإن حركتها تتأثر، لأن نمو الأنسجة والعضلات المتصلة بها لا يحدث بشكل متساوٍ. وبالتالي، تظهر الحاجة إلى إجراء عمليات إضافية.
وبحسب سعيد، تحمل حروق الأطفال خطراً مضاعفاً بحدوث التهابات، لأن مناعة الطفل لا تكون مكتملة.
وسواء بالنسبة إلى الراشد أو الطفل، تكون رحلة العلاج والجراحات طويلة، ويمكن أن يتخطى عددها الـ30 في حالات معينة، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال. وبالنسبة إلى الراشدين، يختلف العدد بحسب مستوى التجاوب مع العلاج وسرعة تلقيه منذ البداية، إذ لا يجب أن ينمو الجلد بطريقة خاطئة.
ويشير سعيد إلى أن التحدي الأكبر في هذا النوع من الجراحات يكون في حروق الوجه، وتلك التي تشمل المفاصل. وفي تلك الحالات، إذا لم تُعطَ المعالجة المناسبة، فقد لا يستعيد المفصل عمله.
بشكل عام، يشير سعيد إلى أن الحروق تعتبر من أصعب الإصابات، والتعامل معها صعب من الناحية الطبية والجراحية، خصوصاً أنها تترافق عادةً مع إصابات أخرى لا بدّ من معالجتها أيضاً.
ومن الناحية النفسية، بدا أن تفجيرات البيجر هي الأصعب، وفق سعيد، لأنها مثَّلَتْ تجربة صعبة مع مشاهد لم يَرَ أحدٌ مثيلاً لها سابقاً.