النهار

المماطلة ليست حالة عابرة بل أعمق ممّا تتخيّل... كيف تتخلّص منها؟
فرح نصور
المصدر: النهار
حتى بالمعنى المباشر، لا يسهل التعبير عن الظلال الكاملة لكلمة procrastination التي تعني التسويف والمماطلة والتأخير وتضييع الوقت والتلهّي، على الرغم من إدراك المرء مدى الإلحاح على ما بين يديه من مهمّات. وكذلك ثمة شبح لبُعد نفسي يتمثل في أنّ الـمماطلة تتضمن نوعاً من العنف المضمر، على رغم ظاهرها البريء، سواء أكان ضد الآخر عبر تأجيل الإيفاء بما هو مستحق له، أو ضد الذات بمعنى تفويت فرص، واضح مدى إفادتها، وكأنّ المرء يؤذي نفسه بنوع من التعمد، سواء عن وعي أو غير ذلك.
المماطلة ليست حالة عابرة بل أعمق ممّا تتخيّل... كيف تتخلّص منها؟
تأجيل وراء آخر وتضيع الفرص (بنتريست)
A+   A-

حتى بالمعنى المباشر، لا يسهل التعبير عن الظلال الكاملة لكلمة procrastination التي تعني التسويف والمماطلة والتأخير وتضييع الوقت والتلهّي، على الرغم من إدراك المرء مدى الإلحاح على ما بين يديه من مهمّات. وكذلك ثمة شبح لبُعد نفسي يتمثل في أنّ الـمماطلة تتضمن نوعاً من العنف المضمر، على رغم ظاهرها البريء، سواء أكان ضد الآخر عبر تأجيل الإيفاء بما هو مستحق له، أو ضد الذات بمعنى تفويت فرص، واضح مدى إفادتها، وكأنّ المرء يؤذي نفسه بنوع من التعمد، سواء عن وعي أو غير ذلك.

المماطلة في الحياة اليوميّة

إذاً، أنت تؤجّل الأشياء، سواء تعلق أمرها بإنهاء مشروع مهني أو أعمال منزلية، على رغم معرفتك بإمكانية حدوث عواقب سلبية على تلك المماطلة. كلّنا مررنا بهذه الحالة، التي قد تصبح سلوكاً لا تصرّفاً عابراً، وله تأثير كبير على وظيفتنا ودورة حياتنا اليومية.

المماطلة ودائرتها الخبيثة


ثمة نوع من سلسلة أفعال ترافق المماطلة، بل تبدو كأنها دائرة تتغذى من بعضها بعضاً. ومن المستطاع تقديم رسم أولي عن تلك الدائرة على النحو الآتي:
- يبدأ الأمر بتجنّب المهمات، غالباً ما تكون وازنة ومؤثرة، وتأجيلها لوقت لاحق. 
- إقناع الذات بأخذ فترة قصيرة من الراحة، من دون أن يكون ذلك ضرورياً بالفعل.
- مع اقتراب الموعد النهائي أو تراكم المهام، يبدأ التوتر والقلق في الارتفاع ويبدو أن إنجاز المهمة أكثر صعوبة.
- يؤدي القلق أو إلحاح الموعد النهائي، إلى اتخاذ إجراء ما. وغالباً ما يشكِّل ذلك مدخلاً إلى العمل المتسرّع، واتخاذ قرارات سيئة، وحتى إلى زيادة التوتر، والإرهاق، والقلق، وربما الاكتئاب في خاتمة المطاف.
- بسبب العمل المتسرّع، يشعر المرء بالندم. ويتفاقم الأمر إذا رافق الفشل ذلك العمل، أو طاولته انتقادات ينظر إليها الشخص نفسه بأنها موجهة إليه بصورة شخصية، ما يحرك لديه مشاعر سلبية كثيرة.

Delay and delay and delay and...

لماذا المماطلة رغم المعرفة بالعواقب؟

حديث خاص

الدكتور ماريو عبود، معالج نفسي ومستشار لدى الهيئة الطبّية الدولية ومنظمة "أطباء بلا حدود".

 

تعتبر المماطلة والتسويف والتأجيل غير المبرر، نوعاً من التجنّب Avoidance  ناتج عن ضغوط نفسية، عائلية أو اجتماعية تجعل الفرد يهرب من واجباته. وبالتالي، يبدو الأمر كوسيلة للهروب عبر تأجيل المهمة إلى وقت لاحق، وكلّما زاد التأجيل تتفاقم أحماله وتتزايد أثقاله، ما يجعل الفرد يعيش حالة من القلق الدائم. وبدلاً من أن يكون التأجيل راحة آنية، تتفاقم المشكلة وتتراكم المهام، فيشعر الفرد بالفشل أكثر مع إحساس بالذنب والندم لعدم إنجازها. ولا يأتي التسويف وحده، بل يصحبه نوعٌ من الاكتئاب، أو القلق أو اضطرابات نفسية أخرى. وقد تقتصر المسألة على حالة عرضية، لكنها قد تمتدّ لتصبح سلوكاً يرافقه هذا النوع أو ذاك من الاضطراب النفسي.

وبالتالي، شعر الفرد بنوع من العجز. وحتى الأشياء البسيطة التي لا تتطلب الكثير من الوقت لإنجازها، يؤجلها ليشعر بشعور زائف بالسيطرة. منطقياً، يعرف المرء في داخله أنه غير مسيطر على الأمور، لكن المسألة تُصبح سلوكاً مرضيّاً، وخارج السيطرة وليس من السهل تغييرها.

يصبح التسويف والمماطلة أكثر خطورة حينما يصبح مزمناً ويبدأ بالتأثير على حياة الشخص اليومية. وحينها، لا يقتصر الأمر على ضعف مهارات إدارة الوقت، بل يضحي جزءاً من نمط الحياة.

وتؤثر هذه الحالة على الصحة النفسية، من خلال التسبب بالقلق والاكتئاب، التوتر، وحالة من العجز. وتؤثر تلك المعطيات على الشهية والنوم وغيرها من مناحي النوعية الجيّدة للحياة.

لمعالجة المشكلة يجب معرفة الأسباب، ولا سيما الاكتئاب والقلق، عبر الحصول على مساعدة طبّية.

 

كيف نتوقّف عن التسويف؟

 

-        استخدم تقنيات إدارة الوقت عبر إنشاء روتين يومي يناسبك، أو تقسيم عملك إلى فترات زمنية من خلال ضبط منبّه وأخذ استراحة بعد ذلك.

 

-        جرّب قاعدة الدقيقتين. وتتمثّل في إنه إذا كانت المهمة لا تستغرق أكثر من دقيقتين، فعليك الانتهاء من أمرها على الفور، مثل غسل طبق أو ترتيب السرير.

 

-        اعمل على السيطرة المُدرَكَة على النفس، وضع قرارات واعية وأهدافاً تريد تحقيقها بالفعل والعمل عليها باستمرار.

 

-        اعمل على خفض عوامل التشتيت، مثل إيقاف تشغيل الإشعارات على هاتفك أو إنشاء مساحة عمل مخصّصة، أو استخدام الموسيقى بغية المساعِدة على التركيز.

 

-        قسّم المهمات المعقدة إلى خطوات صغيرة تعرف أنه يمكنك إدارتها.

 

-        كافئ نفسك على الإنجازات الصغيرة.

-      مارس تقنيات التأمل الواعي Mindful Meditation مع التنفس المتيقظ، بهدف التعامل مع التوتر والقلق والاسترخاء.

 

 

 

اقرأ في النهار Premium