النهار

أطلق مواهبك الغنائية وحدك خلال استحمامك والأفضل ضمن جوقة!
فرح نصور
المصدر: النهار
في العادة، يرتبط الغناء بالحالة الإيجابية والأجواء المرحة، إلا أنه يملك أبعاداً نفسية ومعنوية عميقة تعمل بشكل أو باخر على تعزيز حُسن حالنا وتدعيم حصحتنا النفسية والذهنية.
أطلق مواهبك الغنائية وحدك خلال استحمامك والأفضل ضمن جوقة!
تعبيرية.
A+   A-

مَن منّا لم يجرب الغناء ولو مرة واحدة في حياته، أو حتى دندن أو ردّد أغنية أو مقطوعة أو نشيداً. الغناء، وما يحتويه من معانٍ، سواء أكانت غرامية أم وطنية أم سوى ذلك، هو تعبير داخليّ نرسله بأصواتنا التي وهبنا إياها للتعبير. وعادة ما يرتبط الغناء بالحالة الإيجابية والأجواء المرحة، بالرغم من أن له أبعاداً نفسية ومعنوية عميقة تعمل بشكل أو بآخر على تعزيز حُسن حالنا وتدعيم صحتنا النفسية والذهنية.

في هذا الإطار، تثبت دراسات عدّة علاقة الغناء بتحسين الصحة النفسية، من بينها تلك التي تناولت علاقته بتحسّن الصحة النفسية لأفراد العائلات التي تعتني بمن يصابون بالسرطان من أفرادها Psychosocial singing interventions for the mental health and well-being of family carers of patients with cancer: results from a longitudinal controlled study . وقد أكدت أن الغناء عموماً أسهم في تقليل القلق وخفض الكآبة لدى أولئك الأفراد. 

 

لماذا عليك الغناء؟

 

حديث خاص
الدكتورة لينا رياشي- اختصاصية في علم النفس، مدرّبة ومعالِجة بالموسيقى، وأستاذة محاضِرة في الجامعة اللبنانية وجامعة الروح القدس-الكسليك والجامعة الأنطونية.

الغناء ليس مجرد استخدام للصوت إنّما وسيلة للتعبير عن الذات والهوية. وحينما يغني الشخص يشعر بوجوده. ويساعد الغناء على التواصل مع المشاعر الداخلية التي يعبّر عنها الغناء أكثر من الكلام، إذ إنّ لا وعي للشخص يخرج بهذه المشاعر  ويفرِّغها من خلال الصوت والغناء لذلك يشعر براحة نفسية، ويتخفف من مشاعر سلبية مكبوتة.

وأثبتت الدراسات أنّ الغناء يحفّز الجسم على إفراز هرمونات مثل الأندورفين Endorphin، الذي يعزز الشعور بالراحة، ويخفف الآلام ويُحسِّن المزاج، إضافة إلى هرمونات الدوبامين والسيروتونين، التي تعزز المشاعر الإيجابية المتعلقة بالسرور والرضا والانشراح.

وتشمل وظائف الغناء العمل على ربط نفس الفرد بجسمه بشكل إيجابي. ويضاف إلى ذلك أن الغناء الصحيح يتطلّب تنفّساً عميقاً للتحكّم بالصوت، مما يدفع الفرد إلى أن يركز أكثر على وعي جسمه وتنفّسه.

لماذا يطلق الناس مواهبهم الغنائية خلال الاستحمام؟ وما علاقة ذلك بشعورهم بالسعادة؟


بحسب رياشي، يغني معظم الناس في الحمّام. ويعتبر ذلك تصرفاً شائعاً، لأنّ الحمام يُعتبر بيئة مثالية لتحرير الصوت والمشاعر؛ ويعود ذلك إلى أسباب عدّة. أولاً، صغر مساحة الحمام، فتعمل جدرانه، خصوصاً المكسوة بالبلاط، على عكس الصوت والصدى الطبيعي. يعطي ذلك الأمر انطباعاً بأنّ الصوت أقوى وأنعم وأحلى، ويجعل الشخص يشعر بأنّه يغني بطريقة أفضل.

أما السبب الثاني لهذا السلوك فيتثمّل بشعور الشخص بالخصوصية والاسترخاء خلال الاستحمام، إذ يشعر بأنّه بعيد عن ضغوطات الحياة، وفي مكان يريحه وخاص به، وأنّه بعيد عن نظرة الآخرين وأحكامهم عليه وعلى صوته؛ بالتالي ينتابه إحساس بالأمان يجعله يعبّر عن ذاته بحرية ومن دون خوف.

ويكمن السبب الثالث في أنّ الغناء في داخل الحمام يحسّن المزاج ويزيد الشعور بالاسترخاء، بالتوازي مع المياه الساخنة خلال الاستحمام، التي ترخي العضلات، وتقلّل من التوتر، مما يزيد من الشعور بالسعادة.
أما رابع الأسباب فيحصل بفضل التنفس العميق الذي يحتاجه الفرد خلال الغناء أثناء الاستحمام، مما يُشعره بالراحة. ومع التنفس العميق، تدخل كمية كبيرة من الأوكسجين إلى الجسم فتعدّل مزاجه.

يضاف إلى ذلك، أن الغناء يترافق مع الابتعاد عن التفكير الزائد بالهموم اليومية، في محاولة للهروب الموقت من الواقع والواجبات والالتزامات، مما يجعل الدماغ يعمل بطريقة مضمّخة بالمتعة.

الغناء ضمن مجموعة أفضل من الأداء الفردي


 يعزز الغناء ضمن المجموعة الصحة النفسية، ويزيد من السعادة بإفراز هرمونات الترابط والسعادة، إلى جانب التخفيف من الشعور بالوحدة والعزلة، مع تعزيز الشعور بالتواصل والتنفس العميق والمنتظم، الذي يقلّل من التوتر والقلق ويخلق نوعاً من التوازن بين الجسم والعقل.
ويحقق الغناء، ضمن مجموعة، الدعم العاطفي المشترك الذي يتلقاه الفرد ضمن جوقة موسيقية، حيث تكون المشاعر مشتركة بين جميع أفرادها، ويشعرون بأن مشاعرهم مقبولة ومفهومة، مما يخفف من الضغوطات النفسية.

ويزيد هذا الأمر من الثقة بالنفس والشعور بالأمان. وضمن المجموعة، لا يشعر الشخص بوجوب تقديم أداء مثالي، بل يغنّي بكل راحة وطمأنينة، ويشعر بالتحفيز والإيجابية. لذا، نرى دائماً أنّ التدريبات والأغاني الجماعية تتسم بالأجواء المرحة، ومردّها إلى وجود  مشاعر  بالإنجاز والرضا، والترابط الاجتماعي والشعور بالانتماء، بالإضافة إلى تراكم ذكريات إيجابية مشتركة.

وتُعدّ دراسة  Sing With Us (حرفياً، غني معنا) التي أنجزتها مجموعة متخصصصة في البحوث البيولوجية الاجتماعية في جامعة لندن، واحدة من مجموعة متزايدة من الأبحاث التي رصدت الفوائد الصحية الجسدية والعقلية المتأتية من الغناء مع الآخرين.  

كيف يعالج الغناء والموسيقى بعض الأمراض والاضطرابات؟


يُستخدم العلاج بالغناء في عدد كبير من الحالات الصحية والنفسية أو الجسدية؛ ويُقدَّم لشرائح عمرية مختلفة، وفق رياشي. تؤدي الموسيقى، وكذلك الغناء، دوراً كبيراً في المساعدة على الشفاء في الحالات الآتية:
- الاضطرابات العاطفية والنفسية كالاكتئاب والقلق والتوتر.
- الصدمات الدماغية المتنوعة. 
- اضطرابات طيف التوحّد Autism.
- مشاكل النطق والصعوبات التعلمية.
- الآلام المصاحبة للأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسرطان. 
- امرض صداع الشقيقة والآلام المزمنة في العضلات.
- الصدمات والتجارب النفسية المؤلمة
- آلزهايمر لدى كبار السن.
- الإدمان.

 

اقرأ في النهار Premium