ينشأ كل منا على فكرة الأصدقاء التي تبدأ برفاق الصف منذ دخولنا أطفالاً إلى المدرسة. ولا غنى للفرد عن محيطه، سواء المهني أو الأكاديمي أو العائلي، لأن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي.
وفيما ينخرط البعض ضمن مجموعة من الأصدقاء (الشلَّة)، يحتفظ آخرون بصداقات فردية. إذن، لا تكمن المسألة في الافتقار إلى الصداقات، بل تتعلق بفكرة أن عدم الانتماء إلى مجموعة ما تثير لدى البعض شعوراً بأن هناك شيئاً ما خطأ فيه. وبالتالي، تتولّد لديه مشاعر إحباط تتغذى من الصور المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي مع ما تثيره من مقارنات شتى، إضافة إلى أنها تصوير غير دقيق للواقع يصل إلى حدّ الضرر.
وفي هذا الإطار، تقول مؤلفة كتاب "حتى يفرقنا التوتر أو كيف نعالج القضية الأولى في علاقاتنا" 'Til Stress Do Us Part: How to Heal the #1 Issue in Our Relationships واختصاصية العلاج الأسري والزواج، إليزابيث إيرنشو، إنّ الناس يشعرون باستمرار بأنهم لا يرقون إلى مستوى توقعات أصدقائهم، وأن ذلك هو السبب في عدم انضمامهم إلى دائرة من تلك العلاقات، ما يعمّق إحساسهم بالدونية حيال أنفسهم.
ووفقاً لمسح أجراه مركز "بيو للأبحاث" في عام 2023 بعنوان "كيف تبدو الصداقة في أميركا"، تبيَّن أن 53 في المئة من الأميركيين لديهم ما يتراوح بين صديق واحد وأربعة أصدقاء مقرّبين، بينما 8 في المئة منهم ليس لديهم أي أصدقاء على الإطلاق.
هل "الشِلَّة" ضرورية حقاً؟
حديث خاص
الدكتورة ساندي الترك - معالجة نفسية وأستاذة محاضرة في جامعة الروح القدس، الكسليك
"من المهم جداً أن يكون للشخص أصدقاء ودعم اجتماعي، لكن الأهم هو نوعية محيطه. وقد يكتفي الفرد بصديق واحد، وليس من الضروري أن نتقرّب من أشخاص قد يؤثرون سلباً علينا.
ويسعى البعض إلى تكوين مجموعة من الأصدقاء. ونرى ذلك خصوصاً في مراحل المراهقة والبلوغ وما بعد عمر التقاعد. أحياناً، قد تشعر بالانتماء إلى مجموعة لكن الدعم الأساسي يأتيك من شخص واحد فيها.
ومن الأفكار الخاطئة على منصات التواصل والمسلسلات والأفلام؛ يبرز الربط بين كثرة الأصدقاء وبين النجاح والشعبية. ثمة معتقدات قد تدفع بالفرد إلى البحث عن مجموعة أصدقاء بغضّ النظر عن نوعيتهم ومدى مشاركته القيم نفسها معهم. وحينما يكثر أصدقاء المجموعة الواحدة، تكثر مشاكلها وتصبح أكثر سطحية، كأن تجمعها أمور مثل المظهر وملامح معينة من نمط الحياة. وبالتالي، قد يبدأ التفرّق إلى مجموعات متفرعة.
ولمَن يسعى لأن يكون في مجموعة أصدقاء، ننصحه بتطوير شعوره بالاستقلالية ووعيه بقدرته على إسعاد نفسه من دون الحاجة إلى وجود أشخاص داعمين له، وعدم الاكتراث لانتقادات الأشخاص في المجموعات والتركيز على قيمه وعدم مقارنة نفسه بالآخرين. وقد أظهرت الدراسات أنّ ما بين 5 إلى 15 شخصاً (ما بين أصدقاء وعائلة) كمحيط اجتماعي، هو العدد الأسلم لصحة الفرد النفسية.
أيضاً، على الفرد أن يضع حدوداً في علاقاته مع الآخرين، بمعنى استبعاد كل ما قد يؤذيه بشكل مباشر أو غير مباشر حتى لو حدث ذلك من طريق المزاح، إذ نرى انتشار ظاهرة التنمّر كثيراً بين الأصدقاء. وفي حال تشارك المجموعة القيم نفسها، يصبح من الأسهل وضع الحدود الصحيحة ببين الجميع، فتصبح العلاقة أكثر نضجاً. وفيما لا تخلو العلاقات الإنسانية كلها من المشاكل، يتوجب إجراء حوار صحي يوضح الأمور بين أطرافها. وكذلك تتطلّب الصداقات الاحترام، النضج، والقيم المشتركة.
لا يضرّ أن يغدو الصديق أحياناً بمثابة الملجأ الأقرب إلى الفرد من عائلته. لكن التعلّق السامّ سواء كان بصديق أو شريك أو أحد أفراد العائلة، والتماهي معه، قد يجعل الفرد غير مستقلّ عنه، ويلغي وجوده من أجله. لذلك، على الشخص أن يحفظ هويته في جميع علاقاته".
كيف تحمي نفسك من الصداقات الفاشلة؟
أولاً، عليك التأنّي وعدم إعطاء ثقتك لأي شخص جديد يدخل حياتك بسرعة، فبدايات العلاقات جميعها تكون جميلة يُظهر فيها جميع الأطراف أجمل ما لديهم. ومن الأمور السامة أيضاً بناء صداقات عبر الإنترنت، فقسم كبير منها لا يُظهر حقيقة الشخص، بل إنها لا تقدم سوى 7 في المئة منه بالمقارنة مع الاتصال الشفهي. وعلى الإنترنت، تختفي أمور كثيرة في التواصل مثل لغة الجسد، نبرة الصوت، طريقة التخاطب وغيرها، ما يسيء إلى صحة التعارف.
أحياناً، يقع الشخص بسهولة في علاقات صداقة فاشلة لأنه كان بحاجة إليها. ولا بدّ من أن يسأل نفسه عن سبب عدم نجاح صداقاته، وهل أن ذلك مردَّهُ نقص في الانتماء أو الانتباه أو الحب، أو الحاجة لأن يكون مسموعاً أو مرغوباً أو محبوباً.
لذا، يتوجب علينا التمهل، وأن نحافظ على حبنا لأنفسنا، مع ما يتضمّن هذا الحب من رفع ثقة المرء بنفسه، وقدرته على الاستقلالية، وبالتالي، تجنُّب الصداقات الفاشلة والاستغلال العاطفي.
هكذا تحرّر نفسك من أسطورة "مجموعة الأصدقاء"!
- فكّر بمصدر شعورك بالسوء لمجرد عدم وجود مجموعة أصدقاء، هل هو لأنك ترى ذلك لدى أشخاص معيّنين على وسائل التواصل الاجتماعي، أم هو شيء أعمق؟
- إن كنت تشعر بالغيرة، فقد تكون بحاجة إلى بناء شبكة أمان أقوى من الأصدقاء أو الجيران الذين يعيشون بالقرب منك ولديهم قدر مماثل من وقت الفراغ.
- انضمّ إلى مجموعات تجتمع أسبوعياً أو شهرياً، مثل نوادي الجري.
- أعد تصميم حياتك لملء الفراغات التي تفتقدها، بطريقة ممكنة من دون مجموعة أصدقاء.