النهار

ولادات قادمة ومخاوف تلاحق 11 ألف و600 حامل من النازحات اللبنانيات
ليلي جرجس
المصدر: النهار
لا تفكر دلال عجمي البالغة م من العمر 35 عاماً بنفسها بل بطفلها الذي سيولد بعد أيام قليلة، هي التي تعيش في مركز إيواء، حيث تتقاسم كل شيء مع عائلات آخرى. تعترف في حديثها لـ"النهار" "ما يقلقني هو كيف سأتمكن من تنظيف طفلي وضمان استحمامه بمياه نظيفة ودافئة في ظل الأوضاع التي نعيشها. أخاف أن يلتقط عدوى، لأن جميعنا نستخدم المرحاض نفسه".
ولادات قادمة ومخاوف تلاحق 11 ألف و600 حامل من النازحات اللبنانيات
للنزوح ويلاته والحوامل أشد من يعانيها (النهار، نبيل إسماعيل)
A+   A-

 

لا تفكر دلال عجمي (35 عاماً) بنفسها بل بطفلها الذي سيولد بعد أيام قليلة، وهي التي تعيش في مركز إيواء وتتقاسم كل شيء مع عائلات آخرى. تقول: "ما يقلقني هو كيف سأتمكن من تنظيف طفلي وضمان استحمامه بمياه نظيفة ودافئة في ظل الأوضاع التي نعيشها، وأنا أخاف أن يلتقط عدوى، لأن جميعنا نستخدم المرحاض نفسه".

لكن دلال، كغيرها من النازحات الحوامل، لا تملك ترف الخيارات العديدة، فهي وجدت نفسها مجبرة على العيش في مركز إيواء بعد أن فرضت عليها الحرب النزوح إلى مكان أكثر أمناً لسلامتها وسلامة جنينها.

إلى جانب هذه المخاوف كلها، وجدت دلال نفسها أمام معضلة أخرى تتمثل في تأمين مستشفى لولادة جنينها. تقول لـ"النهار": "لم تساعدني وزارة الصحة لأنني مضمونة في السلك العسكري. وبعد استشارات عدة، وافق مستشفى المشرق على متابعة ولادتي شرط دفع فارق الضمان الذي حدّد أخيراً بملغ 100 دولار، في حين طلبت طبيبة توليد أخرى مبلغ 600 دولار ".

ولم تفكر نور الأحمد (18 عاماً) مرتين في وضعها حين خرجت سريعاً من حيّ الليلكي بالضاحية الجنوبية، وهي حامل في شهرها الثامن. وهي تسكن اليوم على قارعة الطريق قرب مبنى اللعازارية بوسط بيروت. تقول لـ"النهار": "أشعر بالخوف والقلق. كيف أدخل المستشفى وأضع ابنتي وأنا لا أملك حتى قطعة ثياب لها. لم أشترِ لها بعد أي شيء. أفكر في كل شيء، في تكلفة الولادة، خصوصاً أنني لست مضمونة، وفي تدفئة ابنتي وفي إلباسها والاهتمام بها، وأنا لا أملك سقفاً لأحتمي به".

 

تداعيات صحية ثقيلة

لا يقتصر التوجس من تبعات الولادة ومصير المواليد على دلال ونور، إذ تفرض حالة النزوح على آلاف الحوامل تحديات ما كُنَّ ليواجهنها لولا تركهن منازلهن، ودخولهن في معركة مفتوحة مع كل شيء من أبسط مقومات الحياة إلى الاهتمام بصحة المولود الحديث.

 

يقول الدكتور فيصل القاق، الطبيب في دائرة الأمراض النسائية والتوليد في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو مجموعة خبراء السياسات الخارجية في "منظمة الصحة العالمية"، لـ"النهار" إن عدد النازحين وصل إلى 1,4 مليون نازح تقريباً، وبينهم شريحة واسعة من النساء والحوامل. ووفق تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، هناك 11,600 حامل يتوزعن على نحو 1000 مركز للإيواء، أو يسكنّ في منازل مستأجرة، أو عند الأقارب، أو غادرن إلى سوريا".

 

وبحسب القاق، النازحات الحوامل معرّضات لمخاطر صحيّة بحسب تداعيات الحمل عليهن، "ويتمثل أبرز تلك المخاطر المقلقة بالنزيف والإجهاض، خصوصاً إذا حدث نزيف لدى مَن هُنَّ في الفصل الثاني والثالث من الحمل. يُضاف إلى ذلك معاناة توتر وقلق شديدين قد يفاقمان مخاطر ارتفاع الضغط والسكري وغير ذلك، إلى جانب مخاطر الولادة المبكرة ونقص التغذية ونقص الأدوية الضرورية، ما يُهدّد بوضع مواليد أقلّ وزناً من الطبيعي، مصابين باضطراب في النمو العصبي والنفسي".

 

 

مشكلات الصحة العامة

يصعب إغفال ظروف العيش في داخل مراكز الإيواء، وفقاً لما يقول القاق. يضيف: "تشمل تحديات النزوح انعدام أو صعوبة الوصول إلى مياه نظيفة للاغتسال منعاً لحدوث التهابات، أضف إليها الحاجة إلى الحصول على تغذية متوازنة خلال فترة الحمل للحفاظ وتعزيز صحة المرأة والجنين على حدّ سواء".

 

وبالرغم من الظروف الصعبة والتحدّيات المختلفة، يؤكّد القاق أن الفرق الصحية التي تزور  مراكز الإيواء تتابع النازحات الحوامل، أو يحصلن على العناية بالذهاب إلى المراكز الصحية المخصصة لمتابعة أحوال النازحين والنازحات، "ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو القدرة على الوصول إلى هذه المراكز الصحية للاستفادة من الخدمات الطبية المتاحة".

 

انطلاقاً من ذلك، مهم تصنيف الحوامل بحسب حالات حملهن (خطورة عادية أو متوسطة أو شديدة) كي تتمكن الفرق الصحية من متابعة أوضاعهن. ويلفت القاق إلى أن الضغوط النفسية تؤثر في التطور العصبي للجنين وصحته النفسية.

 

أجنة صغار وولادة مبكرة

عن أبرز الخدمات الصحية، التي يمكن تقديمها للنازحة الحامل، يشدد القاق على وجوب أن تشمل "الزيارات الدورية التي تخضع فيها الحامل للفحوصات الأساسية (فحص حجم الرحم ونبض الجنين)، إضافة إلى التأكد من عدم وجود التهابات، أو مشكلات في الجهاز الهضمي، أو مشكلات في البول، أو عدم رتفاع في ضغط الدم أو سكري الحمل".

 

ويضيف: "يجب التأكد من تناول الحوامل الأدوية المطلوبة كالحديد والفيتامينات وغيرها، إضافة إلى الأدوية التي توصف في حال حدوث  تعقيدات صحية أو حالات مرضية أثناء الحمل".

 

ويشير القاق إلى وجود تحدٍّ آخر يتمثل في مرحلة ما بعد الولادة، "خصوصاً في اليومين الأولين، ومهم التأكّد من عدم حدوث نزيف أو حمى النفاس، أو التهابات رئوية أو بولية أو أي مشكلات في الجهاز الهضمي أو أي مضاعفات أخرى قد تحدث نتيجة الولادة الطبيعية أو القيصرية".


اقرأ في النهار Premium