يُعتبر سور الصين العظيم واحداً من أبرز المعالم التاريخية والمعمارية في العالم. ويمتد لأكثر من 21 ألف كيلومتر عبر تضاريس وعرة في شمال الصين. هذا الصرح الأسطوري، الذي شُيّد قبل أكثر من ألفي عام، ليس مجرّد جدار دفاعي، بل إنّه رمزٌ للعبقرية الهندسية والقوة التي تجسّد حضارة الصين العريقة.
ورغم تعرّضه لعوامل التآكل والتدهور عبر الزمن، فقد توصّل فريق من العلماء في دراسة حديثة نُشرت في مجلّة "ساينس آدفانسس" Science Advances، إلى اكتشاف مدهش عنه. وتبيَّن لهم أنّ الطبيعة ذاتها تسهم في حمايته. إذ تتراكم عليه طبقات من الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا والطحالب والأشنة، وتؤدّي دوراً مهماً في الحفاظ على استقرار السور وصموده أمام الأمطار والرياح وعوامل بيئية متنوعة أخرى. ويشار إلى تلك الطبقات بتسمية القشور الحيوية.
صامد بفضل مساندة الطبيعة
وجدت الدراسة أن القشور الحيوية تغطّي حوالي ثلثي سطح السور في المناطق التي خضعت للبحث. وقد تبيّن أنّ هذه الطبقات الطبيعية تمنع تسرّب المياه والأملاح الضارة، إضافة إلى أنها تعزّز استقرار التربة المحيطة بجدران السور. ويرجع ذلك إلى أن الأرض المغطاة بهذه الكائنات الحيوية تحتوي على فتحات ومسامات أقل، وتغدو أشد مقاومة للتآكل بالمقارنة مع التربة العارية، ما يمنح السور قدرة أكبر على مواجهة التدهور البيئي.
يتركّز دور القشور الحيوية بشكل أكبر في الأجزاء من السور المبنية من التربة المضغوطة، التي تتعرّض للتآكل بشكل أسرع من الأجزاء المبنية بالطوب أو الحجر. وتحتاج تلك الأجزاء إلى دعم إضافي ضدّ العوامل البيئية الضارة، وذلك ما توفّره القشور الحيوية التي تنمو عليها. ورغم أنّ السور المبني بالطوب أكثر مقاومة للتآكل الطبيعي، فإنّ أجزاءه المصنوعة من الطين تواجه تحدّيات كبيرة مع مرور الزمن.
كذلك أشار الخبراء الذين أجروا هذه الدراسة إلى أن هذه النتائج يمكن أن تُفتح الباب أمام تطبيقات جديدة في الحفاظ على مواقع التراث الثقافي حول العالم. ومعروف أن القشور الحيوية تغطي حوالي 12% من سطح الأرض، وتسهم عادةً في تثبيت التربة في المناطق الجافة. ويبحث العلماء الآن في كيفية الاستفادة من هذه الطبقات البيولوجية الطبيعية في حماية المنشآت القديمة الأخرى، مستلهمين ما حصل مع سور الصين العظيم.
رمزٌ تاريخي عبر العصور
بدأ بناء السور في القرن السابع قبل الميلاد. وآنذاك، اعتادت الممالك المتفرّقة أن تبني جدراناً دفاعية لحماية حدودها من الغزوات الخارجية. وأدّى السور دوراً هاماً في حماية الصين من التهديدات العسكرية. وأسهم في تنظيم التجارة عبر "طرق الحرير" الشهيرة، التي ربطت الصين بالعالم الغربي. وبالإضافة إلى ذلك، عمل السور كحاجز أمام تدفّق المهاجرين غير الشرعيين والسلع المهرّبة.
إضاءات مفيدة
هل يمكن رؤيته من الفضاء؟
رغم الاعتقاد الشائع، لا يمكن رؤية سور الصين العظيم بالعين المجرّدة من الفضاء. صحيح أنه كبير جداً، لكن لونه المماثل للمناظر الطبيعية المحيطة به يجعل من الصعب رؤيته بدون أدوات بصرية دقيقة.
طول غير متوقّع!
يمتدّ سور الصين العظيم لأكثر من 21,000 كيلومتر (13,000 ميل)، وهو بذلك أطول منشأة صنعها الإنسان. لكن هناك أجزاء من السور غير متّصلة تماماً ببقيته بسبب التضاريس الطبيعية.
مواد بناء غريبة
استخدم العمال مواد بناء محلّيّة لتشييد السور. وفي بعض المناطق، استُخدم الأرز اللاصق الممزوج بالجير لبناء الجدران. كانت هذه المادة قوية جداً وساعدت في بقاء السور متماسكاً على مرّ العصور.
كم عدد الأشخاص الذين شاركوا في بنائه؟
يعتقد أنّ أكثر من مليون عامل شاركوا في بناء السور، بمن في ذلك الجنود والفلّاحين والمساجين. وتورد بعض المرويات أن أعداداً كبيرة من الناس فقدوا حياتهم خلال عملية البناء.
السور غير مكتمل
السور لم يكن يوماً مكتملاً تماماً. لقد ابتدأ بناؤه في القرن السابع قبل الميلاد واستمر تطويره عبر عدة سلالات حاكمة، خصوصاً أسرة مينغ (1368-1644 م)، لكنه لم يصل إلى نسخته النهائية أبداً.
اليوم، يُعدّ سور الصين العظيم واحداً من أشهر المعالم السياحية في العالم، وأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. يجذب ملايين الزوار سنوياً، الذين يتوافدون لرؤية هذه الأعجوبة الهندسية التي تعبر عن القوة والإبداع الصيني القديم.