"كنت أزور طبيبي مرة في الشهر في عيادته الخاصة في منطقة الصفير (الضاحية الجنوبية لبيروت)، لكن منذ نزوحي الى كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية ببيروت لم أزر طبيبا، واعتمد فقط على المسعفين المتواجدين بالقرب من المركز، هذا عدا عن تأخري في شراء أحد ادويتي وتناولي للوجبات اليومية التي يحضرها المتطوعون وهي وجبات تحتوي على مكونات يمنع عليّ ان اتناولها لأنني مريضة بداء السكري". هكذا اختصرت النازحة من الضاحية الجنوبية مريم معتوق حالتها الصحية بعد النزوح. حال معتوق كحال آلاف المرضى من سكان الضاحية الذين لم يعد باستطاعتهم متابعة أوضاعهم مع اطبائهم كالمعتاد بعد اخلاء كل مستشفيات الضاحية الجنوبية في نهاية الشهر المنصرم. نحو 8 مستشفيات في الضاحية الجنوبية وعشرات المستوصفات والمراكز الطبية، تشكل بأسرتها وأجهزتها وكادرها التمريضي والطبي جزءا حيويا من النظام الطبي في لبنان. كل من كان يعتمد على المستشفيات في الضاحية أصبح بعد شهر من نزوحه يبحث عن طبيب ومستشفى في منطقة آمنة. فهل شهدت المستشفيات في المناطق الآمنة توافداً غير مسبوق للمرضى؟
يجيب نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان الدكتور سليمان هارون: "من الطبيعي أن نشهد هذا التوافد من النازحين إلى المستشفيات في المناطق الآمنة. ففي أقسام غسل الكلى مثلا تعاني المستشفيات ازديادا غير مسبوق في عدد المرضى". ويشكو هارون النقص في الكادر التمريضي، "خصوصا أن بعضهم تضرر جراء العدوان واضطر إلى النزوح".
ويقول: "الأدوية والمستلزمات الطبية متوافرة ولا مشكلة في تأمينها في المدى القريب، وبدأت تصل مساعدات من الخارج عبر وزارة الصحة التي تعطي أولوية للمستشفيات الحكومية وتلك التي استقبلت أكبر عدد من جرحى الحرب، وقد تواصلت مع وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض وأكد لي أن كل المستشفيات ستصلها مساعدات وفقا لعدد الجرحى الذي استقبلته".
ويشير هارون الى أن "بعض المستشفيات اضطرت إلى تأجيل عمليات جراحية باردة كالأنف والاذن والحنجرة بسبب زيادة الضغط. في الوقت الحاضر لدينا قدرة السيطرة على الوضع، لكن تخوفنا أن نصبح كما في غزة ورقة تستخدم في الصراع السياسي والعسكري".
لا يمكن الإنكار أن دور الجمعيات الأهلية المعنية بالشأن الصحي والتي تجول على مراكز الإيواء، حيث التجمع الأكبر للنازحين، لا يقل أهمية عن دور المستشفيات.
في هذا السياق، يقول جورج أبي خليل أحد أعضاء فريق جمعية "أطباء بلا حدود" في مبنى اللعازرية الذي يؤوي آلاف النازحين: "نعاين 50 نازحا على الأقل يوميا، ويخضع للجلسات النفسية 60 نازحا يوميا، عدا عن عياداتنا النقالة التي تضم ممرضين وأطباء واختصاصيين ومرشدين نفسيين يجولون على النازحين، ومعهم بعض الأدوية التي توزع بناء على معاينة أطبائنا".
يبقى تعويل النازحين على الجمعيات الأهلية، المحلية والدولية، للحصول على رعاية صحية. لكن المشكلة تكمن في أن النسبة الأكبر من هم لا تقطن في مراكز الإيواء بل في منازل، وتاليا لا تصلها خدمات الجمعيات الطبية.