النهار

أحبّ ذاتك بتقبّلها وتطويرها... وليس بالسفر والتسوّق والتنزّه!
فرح نصور
المصدر: "النهار"
أحبّ نفسك! ارفع استحقاقك! أحبّ ذاتك! مفاهيم جديدة بتنا نسمعها أخيراً. لكن منذ متى لا يحب الإنسان نفسه؟
أحبّ ذاتك بتقبّلها وتطويرها... وليس بالسفر والتسوّق والتنزّه!
تعبيرية.
A+   A-

أحبّ نفسك! ارفع استحقاقك! أحبّ ذاتك! مفاهيم جديدة بتنا نسمعها أخيراً. لكن منذ متى لا يحب الإنسان نفسه؟ إنه يثبت ذلك لاشعورياً باختياره مثلاً الطعام الذي يروق له، واللباس الذي يعجبه، إضافة إلى اهتمامه برعاية صحته. 
من ناحية أخرى، لقد أصبحت مغريات الحياة المعاصرة ومتطلباتها متنوعة ومتعددة. وبات الإنسان يعيش في فوضى السرعة والضغط، ما أفقده التركيز على نفسه، بحسب دعاة اتجاه حب الذات، ما يوجب عودته للانتباه إليها. وطبعاً، يختلف الأمر عن الأنانية!



تقبّل نفسك ولا تغرق في حبّها ولا في كرهها!

الدكتور ماريو عبود- معالج نفسي ومستشار لدى الهيئة الطبية الدولية ومنظمة "أطباء بلا حدود"

 

حبّ الذات هو مسألة مثالية يطمح كثيرون إلى الوصول إليها. ويبدأ ذلك بأن يفهم الشخص نفسه، وهو أمر في بالغ الصعوبة. والأجدى بالإنسان أن يجيد التوازن ويقف في حالة حيادية، بمعنى عدم الإفراط في حب ذاته أو التنكّر لها. ولعلّ التطبيق الأمثل والأسلم لمفهوم حب الذات، يتمثّل بتقبّل الذات. ومن الطبيعي أن يجد الإنسان في نفسه ما لا يعجبه، ويشعر إمّا بعدم الرضا أو بنقص ما أو بحاجة أمر ما. وبالتالي، قد تدفعه تلك الأمور إلى تحسين نفسه، وهذا أمر إيجابي. وفي الوقت نفسه، الانتقاد الذاتي المبالَغ به، يُدخل الفرد في كراهية ذاته.

 

وحينما نتحدّث عن حب الذات، نصل أيضاً إلى نقاش الأنانية وحدودها. في الحالة الأخيرة، يقع الشخص في مشاعر تجاهل الآخر وتصرفاته ومشاعره، ويمحور كل شيء حول نفسه. عند تلك النقطة، نصل إلى الأنانية.

 

وشعار "حبّ الذات" حالياً، أصبح رائجاً وجاذباً. وقد يحس الشخص بالنقص إذا ما انجرّ وراء الجانب السطحي من ذلك الشعار، وبات يسأل نفسه "إذا لم أمارس حب الذات فأنا أكره نفسي؟". في تلك الحالة، تصبح الدعوة إلى حب الذات أمراً مؤذياً. ويمكن إدراجه في إطار الترويج لأفكار تتخذ سمة الرأسمالية وتضع المرء دائماً في حالة الإحساس بالنقص والحاجة للوصول إلى أمر ما. وقد يأتي ذلك ضمن الترويج لأفكار معينة أو منتجات مجاراة اتجاهات حديثة. لذا، يتوجب أن يطرح السؤال المناسب، وهو :"ما الذي لا أحبّه في نفسي لكي أحسّنه؟".

 

إذاً، كيف تحب نفسك دون الوقوع بالأنانية؟


طالما أنّ الممارسات التي يرغب الشخص بها تقع نتائجها عليه وحده، يمكنه فعل ما يريد، بحسب عبود. لكن، حينما تبدأ تداعيات هذه الممارسات تظهر سلباً على محيطه، يتوجب عليه التوقف وخوض التسويات لتغيير المعادلة. ومقولة "حرّيتي تنتهي عندما تبدأ حرّية الآخر"، هي خير تجسيد لهذا الأمر.



وفيما يصح أنّ هنالك تفضيلات وخيارات شخصية مثل المأكل والملبس وأمور أخرى، لكن هناك قرارات وخيارات أخرى لا بدّ أن تتمحور حول الكل وليس الفرد، مثل العائلة والمجتمع، وهذه الكليات تصبح هي الأولوية.


وبالتالي، فإن الفرد الأناني المتقوقِع، يدفع الآخرين إلى نبذه. وكذلك يجدر التنبّه إلى أن الإنسان كائن اجتماعي، ومن الصعب أن ينخرط بالمجتمع عبر ممارسات أنانية ثم يتوقع أن تتقبّل المجتمعات ممارساته. إذاً، يجب أن يتحلّى الفرد بالغيرة على نفسه وعدم هوانها، طالما لا يتعرّض للأذى ولا يؤذي غيره في الوقت نفسه.
بالتالي، هناك خيط رفيع فاصل بين إعطاء الأولوية للذات من منطلق تقبّلها، وبين خداع الذات بأهميتها وأولويتها على الأمور الأخرى.



تطوير نفسك ووعيك تجاهها يعادل حب ذاتك...


نادين عز الدين- مدربة حياة
كثُر الحديث مؤخّراً عن حب الذات. لكن جرى ترويج المفهوم بشكل غير صحيح، وشوّهه كثيرون، وبالتالي، فقد فهمه بعض الأفراد بشكل مغلوط.   

وتوضيحاً، تقف حقيقة حب الذات في الأساس من تغيير حياة الفرد، بل تحرك لديه الرغبة في تطوير ذاته وتحسينها. فالإنسان جاء إلى هذه الدنيا ليزكي من نفسه. بالتالي، يتطلّب الأمر وعياً ذاتياً بجوانب حياته المختلفة، وسعياً إلى تطويرها. وإذاً، يتمثّل حب الذات الصحيح في السعي إلى الأفضل. 

 

من هذا المنطلق، يسير الإنسان في مسار حب الذات الصحيح حينما يبدأ بالتعلّم وتقوية مهاراته والقيام بممارسات تفيده لكي يفيد محيطه ومجتمعه، وأن يكون عنصراً فعّالاً فيه. فمثلاً، بدلاً من أن ينخرط الشخص في مجتمع أو محيط وهو في مزاج غاضب، يعمل على تهدئة نفسه واحتواء غضبه ومساعدة مزاجه على التحسّن، وبعدها يخرج إلى محيطه. إنه مثل على حب الذات.



لكن للأسف، تشوّه هذا المفهوم بدعوات سطحية، لا سيما تلك التي تُوجَّه إلى السيدات، بِحثّهنّ مثلاً على فعل كل ما يرغبن بفعله. ومن الأمثلة على ذلك عبارات على غرار تسوّقي ما يعجبكِ وتنزهي وسافري وارفعي استحقاقكِ وغيرها. إن تلك الأمور كلّها مظاهر خارجية وسطحية وقشور أبعد ما تكون من حب الذات النابع من داخل الشخص، لا من خارجه. إذ تُبقي هذه القشور الإنسان في حالة هروب من نفسه ولا يعرف ما رسالته في الحياة. وقد يقع في الأنانية. وفي الحالتين، ليس هذا هو حب الذات.



وكذلك يتطلّب حب الذات إيجاد التوازن في التعاطي مع جميع جوانب الحياة، ويختلف ذلك كلياً عن الأنانية التي تتسمّ بتفكير  المرء بنفسه وحدها. فمَن يحب ذاته قادر على أن يعطي محيطه، لأنه يقدّر قيمة العطاء على عكس الشخص الأناني.



كذلك الأمر بالنسبة لمفهوم "الاستحقاق" المرتبط بحب الذات. فكلّما أحبّ الشخص ذاته، رفع من استحقاقه لنفسه. أي كلّما تحمّل مسؤولية أمور قادر على تحمّلها وطوّر من ذاته ولم يلعب دور الضحية. واستطراداً، فإنه يصبح أكثر اتصالاً مع نفسه، ويرفع من استحقاقه. ويشبه الأمر مقولة "كما تزرع تحصد". وحينما يسلك الإنسان مسار اً جيداً في الحياة بمختلف أوجهها، يلقى بالمقابل ما يستحقه من أمور جيدة. وبتلك الطريقة،  يحصل على استحقاقه.



وكلّما اهتم الشخص بنفسه أكثر، ولم تهن عليه نفسه أو أي شيء يضرّه على مختلف المستويات، اعتبر أنّه يستحق الأفضل وسعى إلى تطوير نفسه ومواجهة جميع الصعاب بوعي مناسب.

اقرأ في النهار Premium