النهار

الحرب توجب الاعتدال فلا تتصرف كمحبط أو لامبالٍ
فرح نصور
المصدر: النهار
الحرب توجب الاعتدال فلا تتصرف كمحبط أو لامبالٍ
تعبيرية.
A+   A-

أخبرت سيدة ابنها الجالس مهموماً أمام التلفاز  "انهض. ومارس الرياضة كي تنفّس عن قلقك. لن تنتهي الحرب إذا استمر توترك".  وأثناء ذلك الحديث، تحضّر شقيقه للذهاب إلى المقهى لاحتساء فنجان قهوة، علّه يُروِّح عن نفسه في ظل الحرب الدائرة في لبنان. 

يسكن الشقيقان في مناطق صُنّفت "آمنة". وعلى غرار جميع اللبنانيين، لكل منهما سلوكه المختلف في تفاعله مع أحداث الحرب وظرفها الصعب والاستثنائي. ويومياً، يدور نقاش بين الأخوين، أحدهما متشائم ومحبَط، يستغرب نشاط شقيقه في ظل الحرب، "فمن له مزاج للخروج!". والثاني يستغرب من شقيقه المحبَط لماذا هو مستسلم لهذه الدرجة "كيف تطيق نفسك في هذه الحال!"ّ.

 

لا اللوم يجدي ولا التجاهل ينفع

الدكتور ماريو عبود- معالج نفسي ومستشار لدى "الهيئة الطبية الدولية" ومنظمة "أطباء بلا حدود".

يجب أن يدرك الفرد بأنّ الحرب فترة عابرة واستثنائية، وتوقعاتنا تجاه أنفسنا والغير يجب أن تكون استثنائية كذلك. ويتأثر الجميع بفترة الحرب، سواء بشكل مباشر كالمتضررين منها، أو بشكل غير مباشر ممّن يتابعون أخبارها ويعيشون أجواءها.

بالتالي، جميع ردود الأفعال المتنوعة يجب أن تُعتبر مفهومة وطبيعية. ويعيش كل شخص الحرب عبر تجربته الخاصة، ولا يمكنه أن يسيطر على انفعالاته وتفاعله معها.

ثمة أشخاص يدخلون بنفق الإحباط وغياب التحفيز ومتابعة الأخبار بشكل متواصل، بينما يستمر آخرون في وظائفهم بشكل طبيعي رغم شعورهم بالحذر والقلق والتوتر. وهناك أشخاص تظهر عليهم آثار نفسية ظاهرة من خلال اضطرابات معينه  تتمظهر بمشاعر العجز المطلق والكامل. ومِن الناس مَن يعيش عكس هذه الأجواء تماماً. وقد يكون في حالة إنكار، أو لم يشعر بعد بتأثير الحرب عليه، أو يتناول الوضع بفكاهة أو يخفف من وطأته وحجمه.

ليس هناك طريقه مثلى للتعامل مع هذه الحالات كلها. وأحياناً يتأرجح حتى الشخص نفسه بين الحالتين الأكثر تطرفاً. ففي هذه الظروف، لا يعي الأشخاص جميعهم سلوكهم. 

واستطراداً، تشكّل جميع هذه التفاعلات حيال الحرب أمراً طبيعياً ومفهوماً. لا يمكن لأحد أن يلوم الآخر على ردّة فعله، مهما كانت. وإذا استمر أحدهم بحياته بشكل روتيني، فلا يعني ذلك أنّه ليس متأثراً بما حوله، وكذلك ليس عليه أن يشعر بالذنب أبداً تجاه ما يفعله. ومن المستطاع اعتبار تصرفه نوعاً من مقاومة الظرف الصعب للاستمرار في الحياة واسترجاع شيء من الإيقاع الروتيني للأوضاع الطبيعية.


إذاً، ماذا نفعل؟

تُغرِق الحرب الأشخاص في أفكارهم بجميع أشكالها، سواء بماضيهم وما خسروه، أو بمستقبلهم وماذا سيحلّ به. ولذا، فإنهم يواجهون صعوبة في الخروج من مجريات الأمر الواقع. لكن، من الضروري أن ينخرط المرء في التعامل مع معطيات واقعه المعاش. وقد يأتي ذلك مثلاً عبر ممارسة التأمل أو تقنيات التنفس، في محاولة لتهدئة أفكاره وتقليل حجم الأضرار النفسية التي تلحق به، ولو بتفاوت نسبي. ولا بدّ من أن ينخرط الشخص بنشاط ما، وأن يأخذ فترات راحة والاعتناء بذاته كل يومين أو ثلاثة، أو أقلّه مرّة في الأسبوع. وبالتالي، يجب أن يسعى إلى الخروج من المنزل لتغيير الجو، وأن يتمسّك بروتين يومه الأساسي قدر الإمكان. ولنتذكر  أن لأفكار السلبية تحمل طابع المرض، ولا بدّ من التغلّب عليها كي لا يغرق المرء في دوامتها.

الزائد أخو الناقص

على الشخص أن ينظر إلى الأمور بواقعية، ويتَّخذ موقعاً وسطيّاً يبعده عن التطرف في المشاعر. ويعني ذلك تفادي عيش الإيجابية المفرَطة أو السلبية المفرَطة. ففي الحالتين،  سيغدو الأمر مؤذياً. وقد يشلّ الخوف الشخص، بل ربما يستمر معه بعد الحرب. في المقابل، الحذر مطلوب. وليغربل كل شخص الأفكار ويلغي منها ما لا يمكنه السيطرة عليها. فعبر السيطرة على مسار الأفكار، قد يستطيع الشخص خلق توازن فكري يؤدي إلى رؤية الأمور بواقعية أكثر ، فيقتنع بأنّ الغرق في الأفكار السلبية لن يغيّر في واقع الأمر أو المستقبل أي شيء.

هل هناك من تفاعل محقّ؟
نادين عز الدين- مدرِّبة حياة

لا يمكن تصنيف التفاعلات الإنسانية والشعورية في ظل الحرب بالخطأ أو الصح. إذ يعيش كل شخص التجربة بحسب وعيه، وتختلف ردود فعله باختلاف تجاربه السابقة وبيئته الاجتماعية وخلفيته الثقافية. وبالتالي، يؤدي التعاطف دوراً مهماً، خصوصاً أنه لا يوجد بشكل متساوٍ لدى كل الناس.

لا يمكن استغراب تفاعل بعض الأشخاص. وإذا أحسسنا  بتفاعل معين، فليس من الضروري أن نُلزم الآخرين به. ولكل شخص الحرّية بأن يعيش مشاعره بالشكل الذي يراه مناسباً.

بصورة عامة، يمرّ الحزن بخمس مراحل هي: الإنكار، اللوم، الغضب، الحزن، ثم التقبّل. وأحياناً، يعيش الأشخاص هذه المراحل بالتدرّج، فيما لا يسير الأمر على ذلك النحو بالنسبة إلى آخرين. ثمة من  يتأخّر قبل الخروح من المرحلة الأولى، فيبقون في حالة إنكار. 

هناك أشخاص خسروا منازلهم في هذه الحرب ويستمرون في الحياة كنوع من الصمود، ويتحلّون بالقوة رغم حزنهم، وبالمرونة على قاعدة أن الحياة تستمر ولا تتوقف نتيجة الحرب. وكذلك فإنهم يعملون على رفع معنويات مَن حولهم، على عكس أشخاص لم يخسروا بيوتهم لكنهم يظهرون حزنهم في سلوكياتهم.

يمثل التعاطف صفة إنسانية ومهارة يتعلمها الفرد. وهنالك أنواع من التعاطف تشمل المعرفي الذي يفصل بين المشاعر الذاتية وأحاسيس الآخرين؛ والعاطفي الذي يتقمّص فيه الفرد مشاعر الآخر، وذلك أمر مدمِّر له ويعوقه من المساعدة؛ والجسدي الذي تتقمّص فيه المشاعر هيئة السلوك الجسدي المباشر. ونحن بحاجة لأشخاص يتحلّون بالتفاعل المعرفي كي يساندوا الآخرين.

ويتجسّد أهم ما في الأمر بأن يشغل الأشخاص أنفسهم، مهما كانت تفاعلاتهم، وألّا يغرقوا بمتابعة بالأخبار. ويتوجب عليهم الاهتمام بأنفسهم لإقامة التوازن بين المشاعر المختلفة. ومن الأفضل الاعتراف بالأحاسيس والعواطف مهما تنوعت، مع محاولة عيشها بواقعية، وقناعة بأنّها ستزول. تهدف الحروب إلى إضعافنا، لذا، علينا المواجهة مجدداً كي نمنعها من بلوغ تلك الغاية.

ولنتذكر أن الانخراط بالحزن والإحباط الزائد لا يصلح دليلاً على الإنسانية والتعاطف. والأجدى التفكير بكيفية مساعدة الذين يحتاجون إلى مدّ يد العون إليهم. وللأشخاص الذين ينغمسون بمشاعرهم الحزينة، يمكن تذكيرهم بأن مشاعرهم محقّة ولا يسهل الخروج منها. وفي المقابل، اسألوا أنفسكم ما الذي من شأنه أن يُخرجكم من هذه المشاعر؟ ومع التفكير بالإجابة، ينفتح الباب أمام كل شخص لتصور الوسيلة التي تلائمه، مع التشديد على ضرورة إخراج المشاعر بدلاً من كتمها، مهما كانت.

إعلان

الأكثر قراءة

المشرق العربي 11/17/2024 5:49:00 PM
حاولت بعض المواقع السورية المعارضة التكهن بمضمون رسالة لاريجاني على ضوء ما دأبت على ترويجه منذ فترة عن اتساع الهوة بين البلدين.
سياسة 11/16/2024 7:26:00 PM
في خطوة مفاجئة، أقدمت جهات معنية في الضاحية الجنوبية لبيروت على إغلاق عدد من مداخل المنطقة ومخارجها باستخدام السواتر الحديد، رغم استمرار تعرضها للقصف الإسرائيلي شبه اليومي. هذه الإجراءات أثارت تساؤلات: هل هدفها الحد من ظاهرة السرقات التي انتشرت أخيرا في الضاحية، أو منع تجمع المواطنين قرب المباني التي يحذر العدو الإسرائيلي من الاقتراب منها، لتوثيق لحظة القصف؟

اقرأ في النهار Premium