بعد مرور أكثر من شهر على توسّع الحرب في لبنان ونزوح أكثر من مليون شخص بسببها وتجمّع قسم كبير منهم في مراكز الإيواء، استجدت تحدّيات صحية على المستويين النفسي والجسدي. ويعاني النازحون مشاكل كثيرة تتطلب تدخلّاً جدّياً ومتابعة دؤوبة، قبل أن تتفاقم.
البداية مع الجلد واقتراب الأنفلونزا
منذ الأيام الأولى للنزوح، بدأت المشكلات الجلدية تظهر على نطاق واسع. وشكّلت أولى التحدّيات التي نجمت عن الاكتظاظ في مراكز الإيواء وعدم توافر معايير النظافة المطلوبة. وسُجّلت إصابات كثيرة بحالات القمل والبق. وتتمثل المشكلات الجلدية الأكثر شيوعاً حالياً بالحساسية والحكاك والطفح الجلدي والفطريات الناتجة من التعرق وعدم الاستحمام، إضافة إلى حالات الجرب والإكزيما.
وثمة انطباعٌ الآن بأن تلك المشكلات لا تتوقف عن التزايد، على الرغم من متابعة وزارة الصحة للحالات منذ بداية ظهورها وتوفير العلاجات المناسبة لها. وفق ما يوضحه الدكتور حسين الهواري طبيب الصحة العامة ومدير "مركز الهواري الطبي" الذي يستقبل يومياً عشرات النازحين.
ويشير أيضاً إلى أن الاكتظاظ سواء في المنازل التي تضمّ عائلات من النازحين أو في مراكز الإيواء، من العوامل الأساسية التي تساهم في انتشار أمراض متنوعة. ولفت إلى اقتراب موسم الإنفلونزا وغيرها من الأمراض التنفسية التي تنتقل بسهولة، في ظل هذه الظروف.
ومن التحدّيات الأساسية على المستوى الطبي في مراكز الإيواء، إنخفاض درجات الحرارة في الجبال وعدم توافر وسائل التدفئة، ما يزيد من احتمال الإصابة بالأمراض.
ويُضاف إلى ذلك وجود مشكلة عدم توافر المياه النظيفة.
التسمم الغذائي والجهاز التنفسي
من أبرز الأمراض التي لاحظ الهواري ارتفاعها في هذه الفترة حالات التسمم الغذائي، وما ترافقها من أعراض تقيؤ وإسهال وغثيان وارتفاع الحرارة بسبب عدم توافر المعايير المطلوبة لحفظ الغذاء بشكل سليم، خصوصاً مع انقطاع الكهرباء. وتحتاج هذه الحالات إلى علاج في أقسام الطوارئ في المستشفيات، وتوفير أدوية ومحاليل معينة لعلاجها.
ويُعتبر الربو والحساسية من المشكلات التي بدأت تتزايد حالياً مع ارتفاع مستويات التلوث، خصوصاً مع تكدّس النفايات في مناطق معينة ومشكلات الصرف الصحي. وتتطلب تلك المشكلات متابعة قد لا تكون متوافرة دائماً في مراكز الإيواء.
واستطراداً، ينبّه الهواري إلى تزايد المشكلات النفسية نتيجة الضغوط وحالات الانهيارات العصبية التي تصيب العشرات من المواطنين، وتستدعي المعالجة بحقن المهدئات لتهدئة والسيطرة على الأعصاب. ويشير إلى أن القدرة على السيطرة على مشاعر الخوف في مثل هذه الظروف تختلف من شخص إلى آخر. وكذلك يسهم التوتر والضغط النفسي في تدهور أحوال مرضى الضغط والقلب، فتصبح حالاتهم أكثر صعوبة وتعقيداً.
هذا، وقد تكررت حالات الإجهاض بين الحوامل بسبب ظروف القصف والنزوح أيضاً.
الأمراض المزمنة
على صعيد آخر، ثمة نقص واضح في الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة في الصيدليات في مناطق معينة. وأحياناً، لا تباع تلك الأدوية، إذا توافرت، إلّا بكمية محدودة للمرضى الذين يحتاجونها ويعانون أمراضاً مزمنة.
ويُعتبر مرضى السرطان ومن يحتاجون إلى غسيل الكلى أكثر من يعاني في هذه الظروف الصعبة. وتزداد أحوالهم صعوبة مع ازدياد الضغوط في مستشفيات معينة بعد خروج بعضها عن الخدمة في مناطق معينة. وتُعتبر المراكز المناسبة لمثل هذه العلاجات محدودة، فيما لا تحتمل تلك الحالات الانتظار، خصوصاً غسيل الكلى الذي لا يمكن تأجيل جلساته أبداً.