منذ بداية المعارك عند القرى الحدودية في جنوبي لبنان، بدأت الاستعدادات للحرب الموسّعة المحتملة في قطاعات عدة، وعلى رأسها القطاع الصحي. في ذلك الوقت، وُضعتْ خطة لمواجهة الكوارث ولكي تكون الطواقم الطبية والتمريضية وغيرها على استعداد للتعامل مع حالات الطوارئ في حال توسّع رقعة الحرب.
الطواقم التمريضية والاستعداد للحرب
وفق توضيح من عبير علامة، نقيبة الممرضات والممرضين في لبنان، فقد أُرسِيَ تعاون بين الوزارة و"منظمة الصحة العالمية" والمستشفيات والطواقم الطبية والتمريضية و"المفوضية العليا للاجئين" UNHCR التابعة للأمم المتحدة ، أثناء تنفيذ خطة مواجهة الكوارث.
ابتدأت الخطة بتدريب الممرضات والممرضين لأنهم يشكلون الشريحة الكبرى التي تصل نسبتها إلى 80 أو 85 في المئة من الطواقم المطلوب تدريبها.
تشير علامة إلى أنه خلال مرحلة لاحقة من التدريب، جرى التدقيق في مدى جهوزية الجسم التمريضي للتعامل مع الحالات الطارئة على الأرض. وشمل ذلك فرز المرضى، وإجراء مناورات حول كيفية استقبال المصابين في الحالات الطارئة. بالتالي، حدث استعداد تام لمواجهة ظروف الحرب، لكن توسّعها فرض أوضاعاً وتحديات لم تكن متوقعة، سواء بالنسبة إلى الممرضين أو بقية الطواقم الطبية. وشكّلت تفجيرات الـ"بيجرز" أولى التحديات الكبرى. حينها، لبّت 100 مستشفى النداء، واستقبلت مئات المصابين. لكن ذلك لا ينفي أن الحدث لم يكن مسبوقاً، وتسبّب بصدمة في المجتمع ككلّ، خصوصاً لدى القطاع الصحي. وتؤكد علامة أن ذلك الحادث حرك مخاوف من حدوث ضغوط مماثلة مع توسّع الحرب.
بالتالي، أطلقت حملة لجمع مزيد من المتطوعين شملت طلاباً وممرضات وممرضين متقاعدين وغيرهم، بغية توفير الدعم بشكل استباقي في مواجهة أحوال مماثلة. وبالفعل، تطوّع 660 ممرضاً وممرّضة.
في السياق نفسه، جرى التواصل بين وزارة الصحة ونقابة الممرضات والممرضين لوضع استعدادات لمواجهة تزايد الضغوط، وبرزت مسألة انتقال ممرضات وممرضين من أماكن عملهم وسكنهم الأساسية إلى أمكنة أخرى. وبالتالي، كان من الضروري التحضير لمثل هذه الاحتمالات وإجراء التعديلات اللازمة لخطة الكوارث على أساسها.
كذلك، سارعت مستشفيات حكومية إلى إجراء تدريبات إضافية للمتطوعين الذين انضموا على إثر حملة التأهب؛ ومن أصل المتطوعين الـ660 لم تجرِ الاستعانة سوى بـ250 متطوعاً. ويرجع ذلك إلى أن الحاجة المباشرة للممرضين كانت أقل، إضافة إلى وجود مستشفيات تعمل بمجهود إضافي وممرضين يعملون بدوامات عمل إضافية لتلبية النداء.
بالتالي، بقي الوضع مقبولاً في المستشفيات في ظروف الحرب. في المقابل، استجدت بعض الظروف التي فرضت استعدادات إضافية كتدريب ممرضين في أقسام متنوعة على التعامل مع إصابات الحروق بسبب كثرتها في هذه الحرب، ولعدم وجود جهوزية كافية لذلك، خصوصاً في المستشفيات الحكومية. وتجدر ملاحظة أن لبنان ليس فيه سوى مركزين متخصصين بالحروق.
ضغط نفسي كبير ولكن...
يتعرض الجسم التمريضي في لبنان إلى ضغوط نفسية كبرى في ظل ظروف الحرب التي تفرض على كثيرين الابتعاد عن منازلهم وعائلاتهم. وأحياناً، تبدو تلك الضغوط النفسية أشد وطأة على هذه الفئة التي تقدم كل العناية اللازمة للمصابين، وتضم في معظمها نساء. لذلك، كان هناك حرص من قبل النقابة على توفير الدعم النفسي اللازم للممرضات والممرضين، وتنظيم محاضرات مع معالجين نفسيين.
وتجدر الإشارة إلى أن الإصابات التي شهدها الجسم التمريضي حالياً لا تشبه أيّ إصابات سابقة، مما أحدث نوعاً من الصدمة لطواقم التمريض. بالرغم من ذلك، تؤكد علامة أن الممرضة قد تتأثر أكثر بأنواع معينة من الإصابات، خصوصاً الأطفال. وتزيد المعاناة لدى الممرضة التي لديها أطفال. وفي المقابل، يجب الاستمرار في الحرص على التوازن بين الجنسين في الجسم التمريضي، لأن لكلّ منهما قدرات معينة يمكن الاستفادة منها.
استكمالاً لما تقدّم، تؤكّد مسؤولة قسم التمريض في "مستشفى أوتيل ديو دو فرانس" في بيروت، سهى عبد الملك، أن جميع الممرضات والممرضين في المستشفى يلقون الدعم النفسي اللازم في هذه الظروف. وتشير أيضاً إلى أن بعض الممرضات هُنّ من مناطق تتعرض للقصف، وقد اضطررن إلى الانتقال للمكوث في المستشفى بسبب ظروف الحرب. وقد ابتعدن عن عائلاتهن لاستحالة التنقل اليومي من منازلهن إلى المستشفى. وبالتالي، فإن الأعباء النفسية كثيرة عليهن، وهي مسألة لا يمكن الاستهانة بها.
في المقابل، تتميز الممرضة بالقدرة على إنجاز مهام عدة في الوقت نفسه وإدارة الأمور بحكمة وهدوء في فترات الكوارث والظروف الطارئة. وتتيح تلك الميزة الأساسية الاعتماد على الممرضة في ظروف مماثلة.
وتوضح عبد الملك بأن مستشفى "أوتيل ديو" وضع استعدادات ضمن خطة إدارة الكوارث تحسّباً لحصول أي أزمة يمكن أن يزيد فيها تدفق المصابين. ويُضاف إلى ذلك الخبرة التي اكتسبها الجسم التمريضي من انفجار مرفأ بيروت.
كذلك، لاحظت عبد الملك أن الضغوط تصاعدت بحدة منذ حادثة الـ"بيجرز"، مع ملاحظة تجاوب الجسم التمريضي مع خطة الطوارئ. وحالياً، يعتبر الوضع مقبولاً باستثناء ما يتحمله الممرضون من ضغوط نفسية تتطلب المتابعة النفسية المستمرّة لهم ليتمكنوا من الاستمرار في أداء واجبهم الإنساني بالشكل المناسب.
ينطبق ذلك على جميع المستشفيات في المناطق التي لا تتعرض للقصف المباشر، فيما خرج من الخدمة 8% من المستشفيات التي تعرضت لذلك النوع من القصف.