ثمة مقولة تفيد بأنّ "المال لا يشتري السعادة"، لكنه قد يشتري لك وقت الفراغ أو وقت الانشغال! هل فكّرت يوماً في أن تدفع مبلغاً إضافياً لأحد لشراء البقالة عنك بدلاً من قضاء وقتك في المتجر؟ أو أن تستأجر عاملة نظافة في المنزل لتكسب وقت التنظيف لأمور أخرى؟
إن إيكال بعض الخدمات، حتى البسيطة منها، لأشخاص مقابل المال، قد يبدو أمراً مريحاً ومن باب الرفاهية خصوصاً للأشخاص المقتدرين، على قاعدة المثل القائل "اللي معو بهار بيرش على المخلوطة [المكسرات، باللهجة الشامية]"، أي ما معناه أنّ مَن لديه المال الوفير قد ينفقه هباء أو تبذيراً.
في المقابل، قد تدفع الجداول المزدحمة في عصرنا السريع هذا بعض الأفراد إلى إيكال خدمات ومهمات بسيطة إلى أشخاص آخرين فيما تولّي أمرها قد يشكّل عبئاً على أصحابها، ربما لضيق الوقت! وبالتالي، بات شراء الوقت بديلاً للتعامل مع بعض المطالب اليومية، واستخدام المال للوصول إلى مزيد من الوقت، يندرج ضمن الاستثمار الذكي في صحتنا العامة وإنتاجنا.
وعلى الرغم من ارتفاع المداخيل، يشعر الناس في مختلف أنحاء العالم بضيق متزايد في الوقت، الأمر الذي يؤدي إلى تقويض رفاههم. وهم يشكون في أغلب الأحيان من كونهم في مأزق زمنيّ، ليس لمجرد أنهم منشغلون آنياً، لكن لشعورهم بعدم السيطرة على أوقاتهم.
وقد وجدت دراسة بعنوان "شراء الوقت يعزّز السعادة" Buying time promotes happiness، أجريت على عينات كبيرة ومتنوعة من الولايات المتحدة وكندا والدنمارك وهولندا، أنّ الأشخاص الذين أنفقوا أموالهم على استثمارات توفّر الوقت، تمتعوا برضا أكبر عن حياتهم. بالتالي، لم يقتصر ذلك على الأثرياء وحدهم، إنّما استفاد من شراء الوقت أشخاص من مختلف المستويات؛ وأدى ذلك الإجراء إلى تحسّن في الحالة المزاجية اليومية، الأمر الذي عزّز الرضا عن الحياة بمرور الوقت.
كذلك، قد ترتبط مشاعر ضغط الوقت بانخفاض مستوى الرفاهية، بما في ذلك قلّة السعادة، وزيادة القلق والأرق. ويشكّل ضغط الوقت عاملاً حاسماً في ارتفاع معدلات السمنة. أخيراً، أثبتت الدراسة أنّ "مجاعة الوقت" التي تعاني منها الحياة الحديثة يمكن الحد منها باستخدام المال لشراء الوقت.
في سياق متصل، لاحظ باحثون كثيرون وجود علاقة أقوى بين شراء الوقت والاستمتاع بالحياة بين أولئك الذين كانوا أقلّ ثراءً. وقد شعر بعض الناس بسعادة أكبر حينما اشتروا لأنفسهم وقتاً بالمقارنة مع ما أحسّوا به مع شرائهم أشياء جديدة. بالتالي، شعر أولئك بضغط أقل في نهاية اليوم، مما يفسّر تحسّن المزاج عندهم. والأرجح أن استخدام المال لشراء الوقت جاء بمثابة حاجز ضد التأثيرات المضرة لضغط الوقت على الرضا العام عن الحياة.
هل شراء هذه الخدمات استثمار جيد في صحتنا النفسية؟
حديث خاص
الدكتورة كارمن بو حبيب حريق- معالجة نفسية
ذكاء الشخص في معرفة متى يدفع مقابل هذه الخدمات يحدّد مدى انزعاجه ومدى الضغوطات التي يتعرض لها، وعلى أساسها قد يختار شراء الخدمات، كل الوقت أو في جزءٍ منه.
ويترتب عليه معرفة التصرف باعتدال فيستخدم الفرص المتاحة بطريقة ذكية كي تتحول إلى إنتاجية أو مشاعر رضا.
صحيح، إن شراء الوقت يخفّف من الإجهاد النفسي (stress) الذي يعدّ العنصر الأساسي الذي من شأنه منع المرء من الإنتاج، ومن القدرة على التركيز لإنجاز الأعمال. لذا، فإنّ تعيين شخص للمساعدة في العمل يزيد الإنتاجية، ويوفّر الوقت للاهتمام بالعائلة، أو الاهتمام بالذات مثلاً، وبالتالي تحسين الحياة الشخصية.
لكن في الوقت عينه، حينما يعتمد الشخص على أحد لإنجاز مهامه وبطريقة متواصلة، فسيفقد قدراته العملية عبر ترك المهام الصعبة لينجزها شخص آخر. ويرجع ذلك إلى أن عقل الإنسان ينمو ويتطوّر من خلال العمل والتصدّي لأمر النهوض بالمهمات الصعبة. وبالتالي، حينما يعيّن شخصاً آخر لتولّي تلك المهمات فإن نمو العقل سيتوقف عنده، وسيصبح غير قادر على مواجهة الصعاب. وعلى المدى الطويل، يصبح الشخص غير مستقلّ، ويميل إلى الاعتماد على الآخرين، ويفقد ثقته بنفسه. وحينما ينجح الشخص في إنجاز المهمات بمفرده، يحقق نوعاً من الرضا الذاتي يدفعه إلى إنجاز مزيد منها؛ وإذا فقدها، فسيفقد هذا الشعور.
في المقابل، قد يميل البعض إلى الاعتقاد بأنّ عدم إنجاز المهمات بنفسه سيصنع منه شخصاً بلا فائدة وغير منتج، وأنّ النهوض بالكثير من الأعمال يعني أنه شخص منتج. والأرجح أن هذا المفهوم نتيجة تربية معينة ربما شكّلت لديه حاجزاً أمام إراحة نفسه.
واستكمالاً، يعتبر العامل المالي أساسياً في معادلة شراء الخدمات مقابل الوقت. هل الشخص أصلاً قادر على الدفع؟ ويعود الأمر إلى علاقة الشخص بالمال ودوره في حياته.
هناك أشخاص غير قادرين على إعطاء أوقاتهم قيمة مادية، ويسخّفون أنفسهم أمام المال. وحينما يُعطي الإنسان القيمة الأكبر للمال على حساب ذاته، يُصبح غير قادر على إعطاء الآخرين ثمن أتعابهم، بمعنى أنه قد يستكثر عليهم الحصول على هذا البدل حتى لو كان عملهم قيّماً.
خدمات موفِّرة للوقت تعزّز سعادتك!
- اطلب البقالة أونلاين.
- استخدم خدمة توصيل الوجبات.
- استخدم طاهياً شخصياً لتحضير الوجبات وطهوها.
- استفدْ من خدمة غسل الملابس.
- استخدم مربية أطفال.
- استفد من خدمة غسل السيارة.
- اشترك في وجبات الطعام.
- استخدم شخصاً لتمشية كلبك.
- استخدم شخصاً لتدبير منزلك وتنظيفه.
- استخدم مساعداً شخصياً.
- استفد من خدمة ركن السيارة.
- استخدم شخصاً لتنظيف الحديقة وتشذيب النباتات والأشجار.