تشكل ظاهرة تغير المناخ أحد أهم التحديات التي تواجه العالم في عصرنا.
تؤكد الدراسات أن الانبعاثات الضارة الناتجة عن الأنشطة البشرية على مدار القرن الماضي والعقود الأولى من القرن 21، أدت إلى تركّز كميات هائلة من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض، ما ساهم في زيادة الاحتباس الحراري، مع ما يرافقه من ارتفاع حرارة الكوكب الأزرق كله.
وتشمل غازات الدفيئة Green House Effects ثاني أوكسيد الكربون والميثان وبخار الماء والأوزون وأوكسيد النتروجين التي تأتي من مصادر مختلفة، لكنها تصنع ما يشبه الشرنقة التي تلف الأرض، وتمنع خروج الحرارة منها إلى الفضاء الخارجي كي تتبدد فيه.
تشير دراسة جديدة نشرت في موقع "إيرث.كوم" earth.com إلى أن ارتفاعاً حاداً في درجات الحرارة قد يؤدّي إلى انقراض شامل ينهي عهد البشر والثدييات على الأرض. ولقد رسم علماء جامعة بريستول في لندن صورة قاتمة عن مستقبل كوكبنا، إذا استمرت ظاهرة الاحتباس الحراري في التفاقم بفعل تزايد التلوث. وقد يترافق ذلك مع متغيرات أخرى.
ومثلاً، يعتقد العلماء أن قارات الأرض سوف تنجرف وتقترب من بعضها البعض ببطء وتندمج سوية كي تشكلّ قارّة عملاقة تسمى "بانجيا أُلتيما" Pangaea Ultima. ومع نشوء هذه القارة سوف يتغير مناخ الكوكب بشكل جذري. وقد ينتج عن هذا التكوين الجديد بيئة حارة وجافة للغاية لا يمكن لمعظم أشكال الحياة تحمّلها.
ثلاثة تهديدات للحياة على الأرض
ربما يفيد البدء بطرح سؤال عن أسباب تلك الحرارة الشديدة المؤديّة إلى انقراض البشر في "بانجيا ألتيما". وتضم قائمة تلك الأسباب ما يلي:
أولاً، إن تكوين قارة عملاقة يعني أنّ مساحة أكبر من اليابسة أصبحت بعيدة عن المحيطات وعن تأثيرها التبريديّ.
ثانياً، بعد مرور ملايين السنين، ستصبح الشمس أكثر سطوعاً، وستزيد من نسبة الانبعاثات الحرارية وتؤدي إلى تسخين الأرض.
ثالثاً، ستؤدّي زيادة النشاط البركاني بسبب الحركات التكتونية التي ستعمل على تكوين "بانجيا ألتيما"، إلى إطلاق مزيد من كميات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، الأمر الذي سيفاقم أزمة الاحتباس الحراري.
وبحسب العلماء، فإنّ درجات الحرارة ستتراوح بين 40 و50 درجة مئوية، أو أكثر يوميّاً، مترافقةً مع مستويات عالية من الرطوبة، ما قد يتكفل بوضع حدِّ لحياة الإنسان على الأرض، لأن البشر والثدييات الأُخرى لن يتمكّنوا من التخلّص من هذه الحرارة من خلال التعرق لتبريد أجسامهم والاستمرار على قيد الحياة.
القيود الحرارية للثدييات
لطالما كانت الثدييات قابلة للتكيّف. وقد نجت من مختلف التغيّرات المناخية الجذريّة عبر التاريخ. وتمكنت من تطوير ميزات مثل الفراء للحفاظ على الدفء والقدرة على السبات خلال الفصول الباردة. في المقابل، لم تُظهِر هذه الثدييات آليات مماثلة في التكيّف مع درجات الحرارة المرتفعة، ما يصعّب التعايش معها.
وكذلك تشير دراسة علماء "جامعة بريستول" إلى أن ما يتراوح بين 8% و 16% من اليابسة في القارة العملاقة الجديدة قد تكون صالحة لعيش الثدييات. وبالتالي، سيُضحي تأمين الطعام والماء شبه مستحيل مع سيطرة الحرارة والجفاف على معظم الكوكب.
إما تحسين المناخ وإما انقراض البشر !
لا يزال ذلك السيناريو للانقراض على بعد ملايين السنين. وعلى الرّغم من ذلك، يؤكّد الباحثون أنه يجب العمل على حلّ أزمة المناخ الحالية وحثّ العلماء على عدم تجاهل أزمة المناخ والاحتباس الحراري والتي هي نتيجة للانبعاثات البشرية. وإذا أخفقت تلك الجهود، سيندفع إلى الأفق سيناريو انقراض البشر.
ثاني أوكسيد الكربون والتحولات التكتونية
يتوقع الباحثون أن ترتفع مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الهواء من نحو 400 جزء في المليون حاضراً إلى أكثر من 600 جزء في المليون في المستقبل. ويعتمد ارتفاع هذه الأرقام على توقّف الإنسان عن حرق الوقود الأحفوري. من المتوقع أيضاً أن ترتفع انبعاثات الشمس بما يقارب الـ 2.5% من المستويات الحالية. وقد يترافق ذلك مع ارتفاع حرارة كوكبنا إلى ما يتراوح بين 40 و 70 درجة مئوية.
تأثيرات من خارج الأرض
لم تتقيد دراسة "جامعة بريستول" بمعرفة تاريخ انقراض الإنسان، بل سعت أيضاً إلى البحث عن كواكب أخرى قد ينتقل البشر للعيش فيها. وسلّط هذا العمل الضوء أيضاً على الكواكب "الصّالحة للسكن" التي قد تواجه مشكلة القارّة العملاقة أيضاً.
لمحة عن انقراضات في أزمنة غابرة
لقد مرّت على الأرض حوادث انقراض عدّة حركتها تغيّرات جذريّة شهدها الكوكب.
• الانقراض الأوردوفيشي-السيلوري (قبل نحو 443 مليون سنة)
في أولّ انقراض جماعي ملحوظ، هيمنت العصور الجليدية، ما أدّى إلى خسائر كبيرة للكائنات البحرية، فانقرض نحو 85% منها بسبب ندرة الحياة على اليابسة خلال هذه الفترة.
• الانقراض الديفوني المتأخر (قبل نحو 360 مليون سنة)
ترك الانقراض الديفوني المتأخر أثراً وازناً. وأباد قرابة 75% من الكائنات الحيّة. وأحدث اضطراباً في الحياة البحرية على نطاق واسع. وأدى النشاط البركاني وضربات الكويكبات للكرة الأرضية؛ الدور الرئيسي في هذا الانقراض. وقد عطّلا الأنظمة الإيكولوجية وغيّرا الظروف الجوية.
• انقراض العصر البرمي الترياسي (قبل نحو 252 مليون سنة)
يعرف هذا الحدث بـ"الموت العظيم". إذ أبادت هذه الكارثة حوالي 96 % من الكائنات البحرية و 70 % من الحياة على اليابسة. وأدّت الانفجارات البركانية الضخمة إلى إطلاق كميات هائلة من الحمم البركانية التي سببت تغيّراً مناخياً شديداً، وأمطاراً حمضية أثرت في تركيبة المحيطات. وبالتالي، دمّرت هذه التغيرات البيئية النظام الإيكولوجي للأرض، وغيّرت الحياة على الكرة الأرضيّة.
• انقراض العصر الترياسي-الجوراسي (قبل نحو 200 مليون سنة)
مثّل هذا الحدث نهاية العصر الترياسي وصعود العصر الجوراسي. وترافق مع أنشطة بركانية واسعة النطاق وتغيرات مناخية شكَّلَت القوى الدافعة للحدث الذي سهّل هيمنة الديناصورات على الأرض.
• انقراض العصر الطباشيري الباليوجيني (قبل نحو 66 مليون سنة)
نتج هذا الانقراض الجماعي المعروف عن تأثير كويكب هائل ارتطم بالأرض و أدى إلى انقراض ما يقارب 75 % من جميع الكائنات الحيّة عليها، وضمنها الديناصورات. وتسبّب ذلك الارتطام الكارثة بحرائق، وأمواج تسونامي، وإطلاق كميات كبيرة من الكبريت في الهواء، ما أدّى إلى "الشتاء النووي"، وتغيّرات مناخية شديدة ومفاجئة.
في الختام، تظهر هذه الدراسة أن الأرض سوف تواجه درجات حرارة شديدة الارتفاع في المستقبل البعيد، ولن تتمكّن معظم الثدييات بما فيها الإنسان، من تجنّب الانقراض. إنها فكرة جامحة، لكنها تذكّرنا بأن كوكبنا يتغير دائماً، وليس دائماً بطرق تناسبنا.