الارتباطات الرومانسية السريعة. لا بد أنّك سمعت عن هكذا حالات يخيل إلى المرء فيها أنه الحب من النظرة الأولى، وينجرف وراء فكرة وجود شخص جديد في حياته بعد وقت قصير من مقابلته، ويعتقد بسرعة فائقة أنه الشخص المناسب.
ولكن، ثمة ظاهرة تُسمّى "إيموفيليا" Emophilia، (قد تترجم حرفيّاً بأنها "حب الحب" أو "سهولة الوقوع في الحب"). وتختلف كثيراً عن مسألة الارتباطات الرومانسية السريعة والعابرة.
للوهلة الأولى، قد تعتقد أنّ الـ"إيموفيليا" غير مضرة. لعلها كذلك، لكن ليس تماماً. يصح أنها ليست مرضاً أو اضطراباً عقلياً، لكنها قد تؤدي إلى سلوكيات خطرة، وارتباك عاطفي، وعلاقات مضطربة. وبالتالي، فإنها تحمل تأثيراً سلبياً كبيراً على علاقاتك وعلى نظرتك لذاتك.
وفي ذلك السياق، دراسة علمية منشورة على موقع "ريسرتش غايت" Research Gate بعنوان "إيموفيليا ومؤشرات أخرى على انجذاب الأفراد إلى أنماط الثلاثية المظلمة" Emophilia and other predictors of attraction to individuals with Dark Triad traits، إنّ الإيموفيليا سمة تتميز بالوقوع في الحب بسرعة وسهولة وبشكل متكرر. ترتبط بتجاهل العلامات التحذيرية والتسرّع في العلاقات.
وفي المقابل، ثمة أفراد كثيرون لديهم سمات الشخصية صاحبة "الثالوث المظلم" (الانتهازية الميكيافيلية والنرجسية والمرض السيكولوجي العدواني Machiavellianism, psychopathy, narcissism). والمفارقة أن ذلك النمط السامّ من الشخصيات يتمتع بالجاذبية بالنسبة إلى البعض. وتُعدّ الإيموفيليا أفضل مؤشر على الانجذاب إلى الأشخاص الذين يتمتعون بارتفاع ذلك "الثالوث المظلم" من السمات لديهم.
ماذا يعني أن تُصاب بالـ Emophilia؟
الدكتور ماريو عبود- معالج نفسي ومستشار لدى "الهيئة الطبية الدولية" ومنظمة "أطباء بلا حدود".
تعتبر "إيموفيليا" من أكثر مشاكل الارتباط العاطفي التي يعاني منها الناس في العيادات النفسية. وتتمثّل بعدم السيطرة على الانجرار نحو الطرف الآخر وشعور أعمى بالولع تجاهه، بحيث يصبح الأخير محور حياة الشخص المنجذِب، ويتقبّل منه جميع سلوكياته حتى السلبية منها، ولا يراه إلّا بعين الحب ويصبح الأمر أشبه بالسحر.
تبرز الحالة بشكل كبير في المسلسلات وتنتشر بشكل كبير في وسائل الترفيه في أيامنا، ما يجعل الشخص مهيّأ في لا وعيه، للتوجه إلى هذه الحالة أو البحث عنها. وبالتالي، حينما يلتقي أحدهم بالطرف الآخر، يُسقِط ما يراه في تلك المسلسلات أو الأفلام على واقع، معتقداً أنّ هذا الطرف هو "الشخص المناسب" وشريك الروح والحب المنتظَر.
لكن بعد وقت قصير جداً من اندفاعة المشاعر هذه بجميع أنواعها، يبدأ المرء باكتشاف أنّ الطرف الآخر ليس هو ذاك الشخص المنتظَر. ويلوم نفسه عن وقوعه في هذه الحالة. ويمكن أيضاً للطرف الآخر أن ينهي هذه العلاقة، ما يضع الطرف الأول بحالة انكسار وإحباط مع إحساسه بالتخلّي عنه.
لماذا تُصاب بها؟
كل شيء فائض يدل على نقص معين، برأي عبود. وتكرار الوقوع في هذه الحالة يدل على أنها ليست أمراً لا أساس له، لكنها تدل على نقص عاطفي يلجأ الشخص إلى تعويضه بأمور عدّة كالحب مثلاً، عبر الشعور بالرومانسية المتطرّفة. إذ تُطلِق حالة الحب شعوراً بالنشوة قد يحتاجها ذلك الشخص، لكنّه سيقع بالخيبة بعد شهرين أو ثلاث.
ثمة مجال للتحدث عن هذه ارتباط الإيموفيليا باختلال التوازن في هرمونات الشعور بالسعادة مثل الدوبامين والسيروتونين، ما يجعل الشخص يسعى بطريقة غير طبيعية إلى الشعور بالسعادة، عبر الانجذابات العاطفية. وأحياناً قد يعاني من مشاكل في الثقة بالآخر، مقابل عدم الثقة بالنفس.
تؤثر الإيموفيليا على علاقات الشخص العاطفية وصورته عن ذاته. ومع تكرر إصابته بها، يعتبر أنه يعطي فرصاً في حياته العاطفية للآخرين، وينظر إليه كأمر إيجابي لكن مع أشخاص غير مناسبين. وقد يصل إلى مرحلة فقدان الأمل من الدخول في علاقة عاطفية "صحية". وحينما يرى أنّه يفشل عاطفياً بصورة دائمة، مقابل نجاح الناس في نسج علاقات سعيدة، فقد يؤثر ذلك على ثقته بنفسه. وقد يغير من سلوكه لينال إعجاب الآخرين وجذب أشخاص معينين، ما قد يعمّق وقوعه في شباك الإيموفيليا.
هل من فارق بين إيموفيليا والحبّ من النظرة الأولى؟
يشرح عبود أنّ الوقوع في الحب عادة ما يستغرق بعض الوقت. والحب الحقيقي هو مشاعر "صحية"، تبدأ بالإعجاب والانجذاب في الفترة الأولى أو الأشهر الأولى من العلاقة، ويُبنى على نضوج وتفاهم وخبرة جيدة. أمّا التعلّق على طريقة الإيموفيليا، فإنه يقارب الإدمان وتعبئة فراغ.
ولنتذكر أنّ الحب من أوّل نظرة، أمر واقعي وموجود ويقوم على الإعجاب الذي يتبعه تعارف يليه تقرّب أكثر لفهم الطرف الآخر. في المقابل، يحدث في الإيموفيليا تضخّم لمشاعر الحب في وقت قياسي، وتورّط في النظر إلى الشخص الآخر نظرة مشوهة تخفي كل عيوبه، وتتسم بتكرار الوقوع في الحالة.
كيف تتخطّى الإيموفيليا؟
- فكّر واكتب قائمة بالصفات التي تبحث عنها في شريكك المحتمَل، ما ترغب فيه وما لا يمكن التفاوض عليه أو القبول به.
- دوِّن ردود أفعال محيطك وأحبائك الموثوق بهم، مع تذكّر أنهم يرون أشياء لا تراها أنت.
- أثناء المواعدة، تعرّف على الشخص ولا تضفي المثالية عليه فور مقابلتك إياه. ولاحظ ما إذا كانت أفعاله متّسقة بمرور الوقت.
- كُن عملياً في العلاقات الرومانسية، من خلال تدوين يومياتك حول اللقاءات والمشاعر الرومانسية. واربط كلّ تلك المعطيات بالواقع، وانتبه إلى كيفية تغيّر مشاعرك تجاه العلاقات مع مرور الوقت. ولعل ذلك يفيدك في التمييز بين الارتباط الحقيقي والولع العابر.
- خذ وقتك واصبر للتعرّف على أنماطك المفضلة، كي تتمكّن من اتخاذ خيارات تتماشى مع أهدافك وقيمك لبناء علاقات حقيقية.