تتطلّب الرضاعة الطبيعية التي يشجع الخبراء عليها نظراً لفوائدها الجمّة، تَوَفُّر بعض الشروط والظروف الملائمة للأم، تشمل الجانب النفسي والتغذية الملائمة وارتواء الجسم، بالإضافة إلى معرفة بطرقها ومساراتها. ومن الواضح أن الإيفاء بتلك المتطلبات يشكّل تحدّياً صعباً أمام المرضعة النازحة بسبب الظروف الاستثنائية التي تعيشها في مراكز الإيواء، بالإضافة إلى التوتر المستمر الذي يسكنها وينعكس سلباً على قدرة الإرضاع لديها.
شروط الرضاعة تبدأ من الأم
تصف القابلة القانونية المتخصصة في المتابعة النفسية والجسدية سيمون كرباج، عملية الرضاعة بأنها لعبة الهرمونات المسؤولة عن تلك العملية. ويبرز أولاً دور الـ"أوكسيتوسين" Oxytocin الذي يضغط على النسيج العضلي المحيط بغدد الحليب، فيدفع ذلك السائل المغذي إلى الخارج. وثانياً، هنالك هرمون الـ"برولاكتين" prolactin الذي يتحكّم بإفراز الحليب وكمياته في الثدي. ويفرز من الغدة النخامية في قاعدة الدماغ التي تتأثر مباشرة بمراكز عصبية لها علاقة بالحالة النفسية والعقلية.
وبالتالي، في حال التعرض للتوتر أو الوجع أو القلق وغيرها من العوامل المؤثرة على الحالة النفسية، تنخفض مستويات الأوكسيتوسين. وكذلك يتأثر إفراز البرولاكتين من الغدة المختصة به في الدماغ، ما لم يوضع الطفل على الثدي ليرضع بانتظام وبشكل متكرر.
انطلاقاً من ذلك، تشدّد كرباج على أهمية توافر الظروف الإيجابية للصحة النفسية، وكذلك الانتظام في عملية إرضاع الطفل كي يستمر إفراز الحليب بالكميات المطلوبة. ويُشار إلى أن إرضاع الطفل ليلاً يساعد إلى حدّ كبير في إدرار الحليب بمعدلات كبيرة ويعزز مستوياته. وتكمن المشكلة في أن الأم المُرضعة النازحة تواجه معدلات عالية من التوتر في ظل الحرب والقصف، ما يزيد من صعوبة استمرارها بإرضاع طفلها بانتظام.
تغذية الأم المرضعة
تؤدي التغذية دوراً أساسياً أيضاً في الوصول بالرضاعة إلى وضعيتها الطبيعية، كميّاً ونوعيّاً. ومن المفترض بالأم المرضعة أن تتبع نظاماً غذائياً متوازناً كي تؤمّن الغذاء اللازم لطفلها. وتشدّد كرباج على أن ذلك لا يعني أن تتناول المرضعة كميات مضاعفة من الطعام، بل أن تتبع نظاماً غذائياً يحتوي على العناصر الغذائية الأساسية. في الوقت نفسه، من الضروري الحدّ من تناول مصادر الدهون والسكر، لأن الأم قد تفرط في الأكل بسببب ما يترتب على الرضاعة من زيادة في حرق الوحدات الحرارية، ويزيد الإحساس بالجوع وضرورة تناول الأكل. وقد يوصل ذلك المسار إلى زيادة وزنها، فيما لا يكون الحليب دسماً ومغذياً للطفل. وبالتالي، يجب أن تركّز الأم المرضعة على المأكولات النوعية، فتُكثر من تناول الجوز واللوز والأفوكادو، لتحصل على الدهون الصحية التي يمكن أن تنقلها لطفلها في الحليب. ومن الضروري أيضاً الإكثار من شرب الماء لتروية الجسم وتعزيز إنتاج الحليب لدى الأم.
وفي السياق نفسه، تبرز أهمية تناول مكمّلات غذائية كالحديد والكالسيوم، التي تعمل على تعويض المرضعة عمّا تفقده من العناصر الغذائية عبر تقديم حليبها إلى الطفل. .
التوتر والإرضاع في ظل النزوح والحرب
في الظروف التي تتواجد فيها الأم المرضعة النازحة، ترتفع معدلات التوتر النفسي الذي يؤدي إلى انخفاض كميات الحليب لديها. وبالتالي، يتوجب تعزيز الحرص على إرضاع الطفل كل ساعتين بانتظام لزيادة تدفق الحليب. وأحياناً تكون هناك حاجة إلى الإرضاع وسحب الحليب في الوقت نفسه لتحفيز هرمون البرولاكتين. ومن المهم التشديد على الانتظام في إرضاع الطفل ليلاً.
في مثل هذه الظروف الصعبة، من المهم أن تحاول الأم قدر الإمكان الحدّ من التوتر وتجنّب متابعة الأخبار والتركيز على الغذاء السليم وإرواء الجسم بالسوائل. وكذلك من الضروري أن يحصل الطفل على الغذاء اللازم الذي يساهم في نموه ونمو مختلف الوظائف لديه، ويُعتبر وزنه مؤشراً أساسياً إلى ذلك.
إذا لم تسر الأمور بالنسبة إلى المرضعة وطفلها على ذلك النحو، يغدو ضرورياً اللجوء إلى الحليب المصنّع، واتباع التوصيات الطبية المتخصصة في هذا الصدد. وفي حال حدوث تراجع في تدفق الحليب، بالرغم من التغذية المناسبة وإرضاع الطفل كل ساعتين بانتظام لتشغيل دورة الهرمونات، يتوجب الحصول على استشارة طبية واضحة للتعامل مع تلك الوضعية.