"قل لي مَن تعاشر أقل لك مَن أنت"، و"جاور السعيد تسعد"؛ تلك عينات من أقوال شعبية توضح تأثير محيطنا في حياتنا. ربما لم يلتفت معظمنا إليها، ولا فكر في طرق تطبيقها ومظاهرها.
في عالم الأعمال والمال، يرى رجل الأعمال المليونير وارن بافيت، أن الأشخاص الذين تختلط بهم قد يشكّلون الفارق بين النجاح والفشل. ويشير إلى أن الاختلاط بأشخاص أفضل منك أمر مفيد لك، لأنك سوف تطفو إلى الأعلى قليلاً، وإذا خالطت من يتصرفون بشكل أسوأ منك، فسوف تبدأ قريباً في الانزلاق إلى الهاوية.
وعلى المستوى الأكاديمي، يؤكد الباحث في "جامعة هارفرد" والخبير في التحفيز البشري ديفيد ماكليلاند، أنّ "الأشخاص الذين تتعامل معهم باستمرار، يحدّدون ما يصل إلى 95 في المئة من نجاحك أو فشلك في الحياة".
ثمة أسباب عدة للنجاح والفشل، منها السعي أو عدمه، توافر الفرص أو غيابها، المحيط الاجتماعي للفرد الذي قد يمتلك تأثيراً واسعاً بالنظر إلى أن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته.
وقد تضمَّنت نظرية الـ"غيشتالت" Gestalt المعروفة في علم النفس بمجموعة من القوانين، من بينها "قانون القرب" الذي يشير إلى قوة تأثير الموجودين في المحيط القريب من الإنسان. تناولت الـ"غيشتالت" التنظيم الإدراكي للبشر، وقد طوّرها علماء نفس ألمانيون لتفسير العالم المعقّد من حولنا، بما في ذلك تأثير المحيطين بالشخص على نجاحه وفشله. فوفقاً لقانون القرب، تبدو الأشياء القريبة من بعضها البعض أكثر ارتباطاً في ما بينها، بالمقارنة مع الأشياء المتباعدة.
وبتطبيق هذا القانون على حالة النجاح، يمكن للأشخاص الذين تحيط نفسك بهم أن يشكّلوا مستقبلك بطرق عميقة. وبالتالي، باستطاعتك الاستثمار في مستقبلك عبر إحاطة نفسك بتأثيرات إيجابية، لأنه قد تحيطك بالقيم والمبادئ الإيجابية.
في السياق نفسه، وجد بحث أجرته جامعة "هارفرد" بعنوان "السمنة تنتشر عبر الشبكات الاجتماعية" Obesity Spreads Through Social Networks أنّه حينما تُصاب بالسمنة، تقترب إمكانية ظهور السمنة عند صديقك من 57 في المئة، وإخوتك 40 في المئة، وشريكك 37 في المئة. وينطبق مَثل "عدوى السمنة" على أوجه أخرى في حياتنا. إذ يشرح مفهوم "العدوى الاجتماعية" كيف تنتقل السلوكيات والعواطف والأفكار عبر شبكات العلاقات الاجتماعية، على غرار الحال مع الفيروسات مثلاً. فنحن كبشر مخلوقات اجتماعية بطبيعتنا، نتواصل وننتمي ونُحاكي مَن حولنا.
اختلِط بأشخاص أفضل منك!
آن ماري فياض- معالِجة نفسية
إنَّ المحيط الاجتماعي مدخل لتغييرك. وفي الغالب، تتسم طاقة ما يحيط بك، بالإيجابية. ولذا، نرى مثلاً أنّ العمل الجماعي عادة ما يثمر نتائج جيدة لجميع المشاركين فيه. كثير من الناجحين المشهورين كانوا مجموعات خلال الدراسة الجامعية، كرئيس شركة "ميتا" مارك زوكربيرغ. وقد يرجع ذلك إلى تمتعهم بالتفكير والعقلية والتحفيز نفسه.
يجب أن تبحث عن محيطك الإيجابي أولاً بهدف صنع توازن في حياتك بين العمل والعائلة والأصدقاء والحياة الخاصة والعناية الذاتية، وكذلك كي تتمتع بالطاقة الدائمة للاستمرار والكفاح والنجاح. لا بدّ أن تشعر بالاندفاع لدى انتمائك إلى مجتمعات تلبي اهتماماتك، مما يعطيك طاقة إيجابية للنجاح والنمو الذاتي. ويُفضي وجودك في محيط من ذلك النوع، إلى نسج علاقات محاكاة تربطك بمن ترغب في أن تسلك مسارهم في عالم النجاح. إنهم يُخرجون أفضل ما فيك، ويؤدون دوراً مهماً في تشكيل أفكارك ومعتقداتك وأفعالك، وتتعلم من تجاربهم وتكتسب رؤى ومعرفة ما كنت لتحوزها بمفردك إلّا بجهد سنوات طويلة.
لذا، إن انخراطك في شبكة علاقات مفيدة لك، يأتي في المقام الأول. عليك أن تخرج من فقاعتك وعزلتك، فأنت بحاجة إلى تعلّم مهارات التواصل في المجتمع، لأنها مفتاح للتعارف والانخراط مع الآخرين ولفت انتباه مَن يهمّونك. وحينما يحيط بك أشخاص ناجحون يصبحون بالنسبة لك قدوة ومصدراً للإلهام، لا سيما إذا عمِلتَ في مجال مماثل لهم أو امتلكت أهدافاً تشبه ما حققوه. وبالتالي، إنهم يقدمون لك خارطة طريق عمّا يتوجب عليك النهوض به لتحقيق أهدافك. وكذلك يعرّفونك بفرص جديدة، ويساعدونك في بناء علاقات قيّمة مع أشخاص يمكنهم مساعدتك في حياتك المهنية أو الشخصية. وستصبح أكثر ثقة في قدراتك، وتتعلّم المرونة والتعافي من النكسات، وهي أمور ضرورية لنجاحك في أي مجال.
ومن خلال أولئك الناجحين، تبقى متحفزاً ومركّزاً على أهدافك، لأنهم أيضاً يتحدّونك للتفكير خارج الصندوق ورؤية العالم من وجهات نظر مختلفة، ويساعدونك في صقل مهاراتك، ويبثّون فيك التفكير النقدي والعطش للمعرفة، ويدفعونك للابتكار والإبداع.
استكمالاً، إن تنويع العلاقات في مجالات عدّة لا يجدي نفعاً بحدّ ذاته، لأن الشيء الأهم يتمثل بنوعية الأشخاص وما تريده أنت منهم. يتوجّب عليك أن تكون انتقائياً في علاقاتك ومحيطك. فحتى بين الأصحاب هناك درجات من المحبة، وعليك التنويع بين شخصياتهم، فمثلاً هناك رفاق للرياضة وآخرون للفضفضة والدعم. بالتالي، يجب أن تعرف ما الذي تريده مِمّن، وتعطيه في المقابل. ولا بأس بأن تصادق رفيقاً فاشلاً مهنياً، لكنه قد يدعمك ويشعرك بالأمان والثقة واللهو أحياناً، وهذا أمر إيجابي لك، وفي المقابل، تجد المنفعة المهنية لدى رفاق آخرين.
اختر دائرتك بحكمة!
لا بدّ أن تدرك سبب رغبتك في التواجد في هذا النوع من البيئة. وإذا وجدت أن دائرتك الاجتماعية الحالية لا تتوافق مع أهدافك أو قيمك، فقد حان الوقت للبحث عن علاقات جديدة. حينها، تصل إلى مرحلة يتمثل أصعب ما فيها بإدراك الوقت المناسب لتغيير دائرة اجتماعية لطالما عهدتها وألفتها.
النصائح التالية ستساعدك في خوض تلك المرحلة:
- حدّد الأشخاص الذين تريد أن تتواجد بينهم. وقد يكونون أشخاصاً تعرفهم شخصياً، أو تُعجب بهم من بعيد، أو لم تقابلهم بعد. وابنِ علاقات مع أولئك الأشخاص، سواء عبر التواصل المباشر أو طلب نصيحة أو متابعتهم والتفاعل معهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
- انضمّ إلى مجموعات تتوافق مع أهدافك واهتماماتك.
- لا تعتبر أنّ إحاطة نفسك بأفراد يتفوقون عليك تعني مقارنة نفسك بهم، بل إنها تفيدك في التعلم منهم كي تنجح.
- تعلّم باستمرار. وانضمّ إلى نوادي الكتب أو الندوات، أو شارك في المناقشات الفكرية.
- ابنِ علاقات مع أشخاص يتحدّوك أن تحسِّ نفسك، ويعطوك إلهاماً مناسباً يحثك على الخروج من منطقة الكسل.