يصعب استعراض الدائرة الواسعة لتفكير الطبيب الهندي الأميركي الذائع الصيت، ديباك تشوبرا (78 عاماً) الذي وضع عشرات الكتب وألّف أضعافها من المقالات، وظهر في ما لا يحصى من البرامج التلفزيونية، واستضافته أعداد كبيرة من المواقع الإلكترونية.
والأرجح أنه نجح كثيراً في نشر أفكاره المتعلقة بمفهوم حُسنْ الصحة Wellness الذي قد يفضي إلى الوقاية من أمراض أساسية في الجسد والنفس. ولا يسهل عرض قوس قزح المفاهيم التي يستند تشوبرا إليها، على غرار الضغط كأساس للأمراض، ومزاوجة الجسد والنفس والتواصل مع الكون، والقواعد الروحية السبع للنجاح، واستعمال الذكاء التوليدي كمرشد روحي، وممارسة الإصغاء إلى أصوات الحالات "البدائية الأولى" المتصلة بالزمن، و"جسد الميكانيكا الكمومية" quantum mechanical body المؤلَّف من طاقة وأفكار، والذي يفترض أنه الأساس في جسد الإنسان ونفسه وغيرها.
وللأمانة العلمية، ليس من متّسع في هذا المقال لعرض الانتقادات الواسعة أيضاً لأفكار تشوبرا، على غرار ما ذهب إليه اختصاصيّ علم البيولوجيا والجينات، ريتشادر داوكينز، مؤلف كتاب "الجينة الأنانية" The Selfish Gene، في انتقاد تشوبرا إلى حدّ وصف حديث الأخير عن التركيب الكمومي الداعم للكائن الإنساني، بأنّها مزاعم تتغرغر بكلمات علمية.
الضغط أساس المشاكل ومفتاح حلّها
أبْعِد الالتهاب بالتأمل وانتصر على الشيخوخة والكآبة والأمراض المزمنة. تصلح العبارة السابقة كشعار مكثف عن فكر تشوبرا حيال حُسن الصحة المستمرّ طيلة العمر. يركّز تشوبرا على أنّ الالتهاب Inflammation خيط يربط أمراضاً مزمنة كثيرة، خصوصاً السكري وارتفاع ضغط الدم وباركنسون والخرف بأنواعه وتصلّب الشرايين وتكوُّن التجلّطات وغيرها. ويقصد الطبيب الهندي الأميركي الشهير بكلمة التهاب، ردّ فعل جهاز المناعة على أيّ صدمة أو شيء موذٍٍ يدخل الجسم، وبالتالي، فإنّها تترافق مع حدوث "ضغط" Stress ما على الجسد أو حتى النفس. مثلاً، إذا ارتطم مفصلك بشيء صلب، يحمرّ وينتفخ: إنه ردّ جهاز المناعة على الصدمة أو الضغط، وفق وصف صحيح، ويميل تشوبرا إليه. يتحرّك ردّ الفعل نفسه، بتفاوت وبأشكال مختلفة، إذا لدغتك حية أو دخل فيروس أو بكتيريا إلى جهازك التنفسي وغيرها، وكذلك الحال حينما تترسّب الدهون المؤذية الفائضة على جدران شرايينك والأوعية التي تغذّي قلبك أو دماغك. وحين تتراكم دهون مؤذية في مناطق المعرفة والإدراك في دماغك، يتحرّك جهاز المناعة لمحاولة تخليصك منها، فتحصل حالة التهاب وسواء أنجح ذلك الجهاز في مسعاه أو فشل، فإنّ هذه "المعركة"، (أو الضغط على التركيب الصحيح للدماغ، وفق وصف تشوبرا)، تترافق مع اضطرابات الجهاز العصبي سواء لناحية التحكّم بالحركة الجسدية (كحالة باركنسون) أو الحفاظ على الذاكرة والقدرات الإدراكية والمعرفية العليا (كالحال في ألزهايمر). وبحسب تشوبرا، فإنّ مشهدية "الضغط" تتكرّر أيضاً في الاضطرابات النفسية- العقلية كالكآبة والتوتّر والقلق وغيرها.
لا يدّعي تشوبرا أنّه يملك الحلّ للسيطرة على تلك المشاكل كلّها، ولكنّه عمل على بلورة نظام عملي لحُسن الصحة بكلّ جوانبها، يستند على استخدام التأمل في التأثير إيجابياً على ردّة فعل جهاز المناعة المتّصلة بالضغط.
نظام تشوبرا في خمسة نقاط
إذا نجحت الكلمات السابقة في تلخيص أفكار أساسية عند تشوبرا، فستعمل السطور الآتية على تقديم وصف سريع لنظام من خمس نقاط يراها الطبيب الهندي الأميركي أساسية لمكافحة قوس قزح الضغوط في الجسم والنفس.
01- النوم الكافي: يعتقد تشوبرا أن النوم حينما يتراوح بين سبع وتسع ساعات يومياً، يشكّل الركن الأساسي في تخفيف الضغط النفسي والجسدي. وقد يجري التوصّل إلى ذلك عبر تهدئة تدريجية لحال اليقظة تسبق الذهاب إلى السرير تتضمّن التوقّف عن مشاهدة الشاشات لمدّة ساعة على الأقلّ، وممارسة التأمّل المتيقّظ Mindfulness، والمثابرة على نظام ثابت في ساعة النوم والاستيقاظ.
02- التخلّص من الضغط De- Stress: يجري ذلك عبر التأمّل المتيقظ والتأمّل النفسي والرياضة وممارسة هواية محببة. تكفي دقيقتان من التنفّس العميق أو تخصيص عشرين دقيقة لهواية فنية للحصول على تأثير يتراكم مع الوقت. وينصح تشوبرا بممارسة العرفان بالجميل باستمرار كوسيلة لتخفيف الضغط عن العقل والجسم، وزيادة السعادة.
03- الحفاظ على وشائج عاطفية مع الآخرين. يعتقد تشوبرا أنّ الوحدة والعزلة تزيدان الضغط المؤذي وأمراضه، فيما يسهم التواصل المتفاعل مع الآخرين في حُسنْ الصحة.
04- البحث عن لحظات السعادة. يميل تشوبرا إلى القول بأنّ عيش السعادة ولو للحظات يفيد في التخلّص من الضغط المؤذي. وقد يتأتّى ذلك من الاستماع إلى أغنية أو مراقبة تجدّد الطبيعة أو حتّى شمّ روائح بهارات تستعملها في تحضير أكلة تحبّها.
05- الأكل المضادّ للالتهاب. ينصح تشوبرا بنظام الأكل الذي يوصف بالمتوسّطيّ بسبب انتشاره في الأنظمة الغذائية لشعوب البحر الأبيض المتوسط. ويشدّد تشوبرا على أنّ ذلك النظام يتضمّن تناول الكثير من الفواكه والخضروات وزيت الزيتون واللحوم الخالية من الدهون.