النهار

العالم يتوحد في قارة برية واحدة بعد... 250 مليون سنة!
المصدر: النهار، مواقع علمية
يتوقع أن تواصل قارات الأرض زحفها البطيء للتقارب بين بعضها البعض، فتضحي قارة عالميّة واحدة متواصلة بريّاً، لكن بعد آجال طويلة قد تصل إلى ربع بليون سنة.
العالم يتوحد في قارة برية واحدة بعد... 250 مليون سنة!
خيال علمي عن قارة بانجيا آلتيما الموحدة (يوتيوب)
A+   A-

الأرجح أنها بشرى بالنسبة إلى المهتمين بالطرق البريّة وهندستها وشبكاتها، لكن ليس تماماً. قد تكون رؤية علميّة مدققة نالت اهتماماً متطاولاً من مشتغلين بتطوّر العلوم في الزمن الراهن. تتلخص تلك الرؤية بتوقّعٍ مفاده أن تواصِلَ قاراتُ الأرض زحفَها البطيء للتقارب بين بعضها البعض، فتصبح قارة عالميّة واحدة متواصلة بريّاً، وإن بعد آجال طويلة.

ومن مركزه في "جامعة تكساس"، أطلق البروفيسور الأميركي كريستوفر سكوتس، وهو من المراجع العالميّة المعروفة في علوم الأرض Earth Sciences، تلك الرؤية، بعد دراسات معمّقة للتاريخ الجيولوجي للأرض، إذ أجرى بحوثاً متطوّرة، اعتمدت تحديداً على تقنيات المحاكاة الافتراضية، التي استُعملت في كومبيوترات فائقة "سوبر كومبيوتر"، فتوصل إلى القول بأن الصفائح التكتونية Tectonic Plates، التي تحمل القارات، ستواصل زحفها البطيء فتتصل ببعضها بعض، بعد 250 مليون سنة. وسمّى القارة البريّة الموحدة عالميًاً بـ"بانغايا بروكسيما"Pangaea Proxima. وتأتي كلمة "بانغايا" من اللغة اليونانيّة، ومعناها "الأرض كلّها"، وهي متداولة بين علماء الجيولوجيا والمهتمين بعلوم الأرض والمناخ وغيرها. وأضاف سكوتس إليها كلمة "بروكسيما" المشتقة أيضاً من اليونانيّة، ومعناها "القريب".

 

الزحف القاري

في العمق، تعتبر رؤية سكوتس تطويراً لمفهوم "التقارب القاري"  Continental Drift، الذي يشير إلى وجود حركة مستمرة في الصفائح التكتونية العميقة والضخمة للكرة الأرضيّة.

وعلى الرغم من أن نظرية "التقارب القاري" برزت عند مطالع القرن العشرين، لكنها لم تنل قبولاً علميّاً واسعاً إلا في ستينيات ذلك القرن. وفي العام 1912، تولّى العالِم الألماني آلفرد فاغنر صوغ الأسس النظرية لمقولة "التقارب القاري"، استناداً إلى معرفته الوطيدة بعلم المناخ، الذي يتضمن دراسة التطوّر التاريخي للمناخ على الكرة الأرضيّة، خصوصاً عبر الحقب الجيولوجية الكبرى.

ووفقاً لتلك النظرية، كان السطح الجيولوجي للقارات كلها مستنداً إلى كتلة صخرية غرانيتية متّصلة (سُمّيَت الـ"سيال" sial) متممدة، ويتوازن فوق طبقة بازلتيّة أشد كثافة منها (الـ"سيما" sima) تمثِّل الغلاف الصخري الذي يحيط بالقلب الناري المنصهر لكوكب الأرض. وآنذاك، غطت الـ"بانغايا" نصف مساحة الكرة الأرضية، فيما غمر نصفها الآخر بمحيط هائل (= "بانثلاثا" Panthalassa).

وفي العصر الجيولوجي المسمّى "الترياسي Triassic الوسيط" الذي شهد ولادة الحيوانات الثديية، قبل قرابة 250 مليون سنة، شرعت الـ"بانغايا" بالتفتت، وتشكّل القسم المسمّى "لوراسيا" Laurasia، الذي يضم قارات القسم الشمالي من الأرض، فيما تباعد عنها تدريجياً القسم المسمى "غوندوانالاند" Gondwanaland الذي يضم قارات الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية، فتشكّل المحيط الأطلسي.

 

الـ"بانغايا" الآن: صفائح تكتونيّة متفاعلة ولكن...

 

تلقّت مقولات فاغنر ونظرياته تعديلاتٍ كثيرة، أسهمت في ترسيخ مفهوم "التقارب القاري" مع تغيير في ملامحه.

حاضراً، ينظر إلى الـ"بانغايا" بوصفها مكوّنة من مجموعة من الصفائح التكتونيّة التي تكوّن القشرة الخارجية لكوكب الأرض، بما فيها قيعان مسطحاتها المائية، وتسمى الـ"ليثوسفير" Lithosphere. وتتسم حركة الصفائح التكتونية بالنسبيّة، بمعنى أن كل صفيحة تكتونية تتحرك بالنسبة إلى الأخرى، كذلك تتفاعل مع بعضها بعضاً عند أطرافها الكبرى. وتؤثر في تلك الحركة عناصر كثيرة، من بينها جاذبية الأرض ووضعية قطبي "المغناطيس" الضخم، الذي تشكله الكرة الأرضيّة نفسها والقوى الخارجة من النواة الملتهبة للأرض وغيرها.

وحينما يحصل تباعد بين صفيحتين تكتونيتين كبيرتين، تندفع صخور من طبقة تلي الـ"ليثوسفير" في القلب الملتهب الذائب للكرة الأرضية (تسمّى "آثينوسفير" Asthenosphere) كي تملأ ذلك الفراغ. وعلى ذلك النحو، كوّنت صخور الـ"آثينوسفير" قيعان المسطحات الكبرى للمحيطات على امتداد مسافة تقارب الـ 60 ألف كيلومتر.

وقبل 200 مليون سنة، تجوّلت الديناصورات الأولى على أرض آخر قارة عملاقة شهدتها الأرض [= "بانغايا"]، التي تشظّت لتظهر القارات كما نعرفها حاضراً. وظهرت شواطئ بمحاذاة مياه المحيطين الأطلسي والهندي.

حاضراً، ثمة توافق بين معظم علماء الجيولوجيا على القول بأنّ قارتي أوروبا وأفريقيا هما على مسار تصادم بطيء، يزيح معه تدريجياً هضبتا جبال الآلب والبيرينيه. ويعني ذلك أيضاً أن القارتين "موشكتان"، بمقاييس الأزمنة الجيولوجية، على الاندماج في قارة واحده هي "أوروفريقيا" Eurafrica. وفي سياق ذلك التشكّل الفائق البطء، يختفي البحر الأبيض المتوسط كما يرد بعد سطور قليلة.

وبدا سكوتس حاسماً في توقّعه أن يختفي المحيط الأطلسي ببطء خلال الحقب المليونية المقبلة، فتتوحد قارتا أميركا الشماليّة والجنوبيّة لتصبحا قارة واحدة. كذلك تزحف تلك القارة الأميركية الموحّدة لتتصل مع "أوروفريقيا"، مما يجعل المحيط الأطلسي مجرد شبح مائي ضئيل. واستدراكاً، يفضّل سكوتس أن يسمّي القارة العالمية الموحدة "بانغايا آلتيما" Pangaea Ultima، بمعنى أنها وضع ذروي في مسار الـ"بانغايا".

اختفاء البحر الأبيض المتوسط

 

حاضراً، يتراجع البحر الأبيض المتوسط بما يقرب من 2 سنتيمتر في كل سنة. وتتابع قارتا أوروبا وأفريقيا تقاربهما البطيء كي تصنعا قارة "أوروفريقيا" الموحدة، التي تتشكّل خلال الـ50 مليون سنة المقبلة. وفي تلك الأثناء، يختفي البحر الأبيض المتوسط، وتحلّ مكانه هضبة جبلية قد تكون بحجم هضبة جبال الـ"هملايا". إنه مشهد مختلف كليّاً، يتكوّن تحت العيون... الآن، لكنها لن تشاهده مكتملاً إلا بعد عشرات ملايين السنين!

في المقابل، ليست مصائر البحار والمحيطات الأخرى موضع اتفاق، بل يسود خلاف علميّ مهمّ بشأنها. في ذلك السياق، تظهر نظرية سكوتس، التي تشبه القول بحدوث "انبلاع" introversion [بمعنى كونه حدثاً معاكساً للانفجار والتشظي] يطاول الـ"بانغايا"، ويصرّ على أن المحيط الأطلسي، الذي يشهد تمدّداً ما زال مستمراً منذ بضع عشرات ملايين السنين، بمقدار 2 سنتيمتر سنويّاً مع تمدّد في قيعانه أيضاً، سيقلب مساره إلى الانكماش ثم الاختفاء.

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/26/2024 4:28:00 AM
الحديث عن قيام لبنان الجديد بيد إسرائيلية، هو وهمٌ يتوجب الكف عن التفكير فيه. لن يكون لدى الآخرين وقت للبكاء على لبنان، إن لم تدمع عيون سياسييه له!

اقرأ في النهار Premium