مع اقتراب فصل الخريف بأجوائه المميزة وأمطاره الرقيقة، يعود موسم الإصابة بالإنفلونزا الذي يُعدّ تحدياً صحيًّا سنويًّا. في المقابل، تشير دراسة جديدة من جامعة جورجيا إلى أن الإصابة بالإنفلونزا قبل الحصول على اللقاح قد تعزّز الجهاز المناعي وتجعله أكثر كفاءة في مواجهة الفيروسات المستقبلية، بما في ذلك متحورات الإنفلونزا المتطورة، كتلك التي تأتي من سلالات كوفيد.
أظهرت الدراسة أن الإصابة الطبيعية بالإنفلونزا قد تؤدي دورًا حيويًّا في تحسين استجابة الجسم للقاحات المستقبلية، مع الإشارة إلى أنها تصيب نحو 20% من الأميركيين سنويًا. وقد وجد الباحثون أن الإصابة بالأنفلونزا قد تكون مفيدة على المدى الطويل لجهة تعزيز قدرة جهاز المناعة على محاربة الفيروسات الجديدة.
وبحسب تقرير نشره موقع "ساينس دايلي"، يرى البروفيسور "يي شين، الأستاذ في كلية الصحة العامة بجامعة جورجيا، أن المناعة التي تتطوّر بفعل العدوى الطبيعية تساعد على تقوية الاستجابة المناعية للقاحات.
وأضاف شين، "على الرغم من أننا لم نفهم بالكامل كيف تؤثر المناعة الطبيعية، المكتسبة من متحورات الإنفلونزا، في الاستجابات المناعية الناجمة عن اللقاحات في الماضي، فإن هذه الدراسة ساعدتنا على التوصل إلى فهم أفضل للعلاقة بين المناعتين.
تستهدف لقاحات الإنفلونزا عادةً سلالات أو متحورات معينة من عائلة ذلك الفيروس، والتي يعتقد العلماء أنها ستكون الأكثر انتشارًا خلال الموسم المقبل. مع ذلك، فإنّ قدرة فيروس الإنفلونزا على التحوّر والتطوّر بشكل مستمرّ تجعل عملية اختيار المتحورات المناسبة أمرًا معقدًا. نتيجة لذلك، قد تكون الحماية التي يقدّمها اللقاح أقلّ فاعلية في بعض المواسم، مما يثير قلق الناس بشأن فاعلية اللقاحات.
يشرح "شين" ذلك الأمر: "في بعض السنوات، لا يحقّق اللقاح الحماية الكاملة المطلوبة بسبب تطور الفيروس، وهذا يؤدي إلى شعور البعض بخيبة أمل. لكنننا من خلال هذه الدراسة يمكننا أن نرى كيف أن المناعة الطبيعية المكتسبة من الإصابة بالإنفلونزا قد تعزّز فاعلية اللقاح في ما بعد".
لإثبات هذه النظرية، أجرى الباحثون تجارب على حيوانات، فأعطوها لقاحات تستهدف متحوّرات مختلفة من الفيروس. وجدت الدراسة أن الحيوانات التي أُصيبت بالفيروس قبل تلقّي اللقاح أظهرت استجابة مناعية أقوى مقارنة بتلك التي لم تُصب به، بمعنى زيادة القدرة على مواجهة المتحورات الجديدة.
كذلك أظهرت الدراسة أن الحيوانات التي أُصيبت أولاً بالفيروس، ثم تلقت لقاحاً استهدف نوعاً من الفيروس، استجابت بشكل أفضل، إذ ساعدت المناعة الطبيعية على تعزيز حماية الجسم ضد مجموعة متنوّعة من المتحوّرات. في المقابل، لم تتحقّق الظاهرة نفسها لدى الحيوانات التي لم تصب بالفيروس قبل الحصول على اللّقاح، مما عزز مفهوم أن المناعة الطبيعية تقوّي فاعلية اللّقاحات.
يهدف هذا البحث إلى تطوير لقاحات تستطيع إعطاء مناعة ضد مروحة واسعة من متحورات فيروس الأنفلونزا، بما فيها تلك المتأتية من كوفيد. وتأتي هذه الدراسة كجزء من مشروع طويل الأمد مدعوم من مؤسّسة "المعاهد الوطنية للصحة" (National Health Institute) الأميركية، يهدف إلى إيجاد حلول أكثر فاعلية في تعزيز مستويات المناعة لدى الشرائح السكانية الأكثر عرضة للخطر، بما في ذلك كبار السن.
وأخيراً، أورد "شين" أنه "تستمر دراساتنا في استكشاف استجابات الجهاز المناعي للعدوى الفيروسية لدى البشر. وما زال هناك أشياء كثيرة يتوجب استكشافها حول كيفية تفاعل الجهاز المناعي مع متحورات الفيروس المختلفة. وسيستمر البحث في هذا المجال لتقديم حلول مستقبلية أكثر فاعلية".
تشير الدراسة إلى أن الإصابة بالإنفلونزا قبل تلقّي اللقاح قد تساعد على تعزيز الاستجابة المناعية للفيروسات المستقبليّة، مما يجعل الجسم أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات الصحيّة المتزايدة. وفي الوقت الذي يتطوّر العلم بشكل مستمر، يظلّ دور المناعة الطبيعية أمرًا حاسمًا في مواجهة التهديدات الفيروسية المتغيّرة، ويعزّز أهمية الاستفادة من كلّ أدوات المناعة المتاحة لتحسين الصحة العامة.