النهار

​العالم مرشّح لتراجع الخصوبة
راغب ملّي
المصدر: النهار العربي
وفقاً لتوقعات منشورة حديثاً في مجلة "ذي لانسيت"، سوف ينخفض معدل الخصوبة العالمي تدريجياً من الآن وحتى عام 2100 ​
​العالم مرشّح لتراجع الخصوبة
أطفال حديثو الولادة في أحد المستشفيات
A+   A-

تُعتبر تقييمات الخصوبة حاسمة لحل التحديات الجيوسياسية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تغير اتجاهات عمر السكان والهجرة، وهي تؤثر على السياسات التي تتناول احتياجات الموارد والرعاية الصحية، والتعليم، وإمدادات العمل، وتنظيم الأسرة، والمساواة بين الجنسين.

 

وفقاً لتوقعات منشورة حديثاً في مجلة "ذي لانسيت" The Lancet من معهد القياسات الصحية والتقييم IHME سوف ينخفض معدل الخصوبة العالمي تدريجياً من الآن وحتى عام 2100. ويحذر الخبراء الحكومات من الاستعداد لمواجهة تحديات العيش في عالم "أكثر فراغاً"، كما يدعون للبدء في التخطيط للتهديدات التي قد تشكلها هذه التغييرات على الاقتصاد والصحة والبيئة والجغرافيا السياسية.

 

ورغم أن ذلك لم يبدأ بعد، لكن يبدو أن هذا الاتجاه لا يمكن إيقافه، فالبشرية تتقلص. وبحلول عام 2050 ستكون معدلات الخصوبة في أكثر من ثلاثة أرباع دول العالم (155 من أصل 204 دول) منخفضة للغاية، لدرجة أنها لن تتمكن من الحفاظ على حجم سكانها، وسوف يكتمل هذا الاتجاه تقريباً بحلول عام 2100، عندما تكون 97% من البلدان (198 من أصل 204) في الوضع نفسه، وسوف يفوق عدد الوفيات عدد الولادات وسيقل عدد الأشخاص في العالم.

 

 

في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، وصل عدد سكان العالم إلى 8 مليارات نسمة؛ وهو رقم غير مسبوق، ولكن وفقاً لهذه الدراسة، فقد يُمثّل ذلك الذروة، قبل أن يتراجع المنحنى ويبدأ عدد السكان في الانخفاض. وهذا اتجاه عالمي، ولكن الوتيرة تختلف من منطقة إلى أخرى. في البلدان الغنية، حيث معدلات الخصوبة منخفضة للغاية بالفعل، سوف تستمر المعدلات في الانخفاض. ويسير هذا الاتجاه جنباً إلى جنب مع اختلال التوازن بين البلدان المتقدمة، حيث يتراجع عدد السكان، والبلدان الأقل ثراءً، وخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يستمر النمو الديموغرافي. ويؤكد الباحثون أن هذا التفاوت يمكن أن يؤدي إلى تحديات كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

 

عالم منقسم ديموغرافياً

وتتنبأ الدراسة بحدوث تحولات هائلة في النمط العالمي للمواليد الأحياء من البلدان ذات الدخل المرتفع إلى البلدان ذات الدخل المنخفض. في عام 2021 ولد 29% من أطفال العالم في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. وبحلول عام 2100، من المتوقع أن يرتفع هذا المعدل إلى أكثر من النصف (54%) من جميع الأطفال، ما يؤكد الحاجة المُلحّة لتحسين الوصول إلى وسائل منع الحمل الحديثة وتعليم الإناث في هذه البلدان.

 

وتكشف هذه التغييرات العميقة في الخصوبة المستقبلية عن وجود فجوة ديموغرافية واضحة بين العديد من الدول ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع مقابل العديد من المواقع منخفضة الدخل. ويقول كبير الباحثين البروفسور شتاين إميل فولسيت من معهد القياسات الصحية والتقييم IHME: "إننا نواجه تغيراً اجتماعياً مذهلاً خلال القرن الحادي والعشرين. سوف يتعامل العالم في الوقت نفسه مع "طفرة المواليد" في بعض البلدان و"كساد الأطفال" في بلدان أخرى. وفي حين أن معظم دول العالم تواجه تحديات خطيرة للنمو الاقتصادي متمثلة في تقلص القوى العاملة وكيفية رعاية السكان المسنين ودفع أجورهم، فإن العديد من البلدان ذات الموارد المحدودة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى سوف تتصارع مع كيفية دعم المسنين، والنمو السكاني الأسرع على كوكب الأرض في بعض الأماكن غير المستقرة سياسياً واقتصادياً، والإجهاد الحراري، والنظام الصحي المجهد على وجه الأرض".

 

ومن جانب آخر، فإن زيادة الولادات في البلدان المنخفضة الدخل ستهدد أمن الغذاء والمياه والموارد الأخرى، ويتوقع التحليل أن ينشأ أيضاً عدم استقرار سياسي وقضايا أمنية في هذه المناطق المعرضة للخطر.

وتسلط توقعات الخصوبة الجديدة الضوء على التحديات الهائلة التي تواجه النمو الاقتصادي في العديد من البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل، مع تضاؤل القوى العاملة والعبء المتزايد على أنظمة الصحة والضمان الاجتماعي لشيخوخة السكان.

 

 

ويحذر الخبراء في الدراسة من أن توقعاتهم بانخفاض الخصوبة العالمية "لا ينبغي أن تستخدم لتبرير المزيد من التدابير الصارمة التي تحد من الحقوق الإنجابية"، مثل تقييد الوصول إلى وسائل منع الحمل أو الإجهاض، لأن هذه حقوق أساسية ويجب أن تكون متاحة لجميع الناس، ولأن لهذه القيود آثاراً سلبية على الفرد والمجتمع ككل". ويشيرون إلى مثال رومانيا في الستينيات وحتى الثمانينيات، عندما أدت القيود الصارمة المفروضة على وسائل منع الحمل والإجهاض إلى ارتفاع معدلات الوفيات النفاسية، ونمو أعداد الأيتام، وتأثيرات ضارة طويلة الأجل على النتائج التعليمية الإجمالية وسوق العمل.

وتلقي هذه الدراسة الضوء على التحدي الرئيسي الذي سيواجهنا في العقود القادمة: كيف يمكن التعامل مع الانخفاض الكبير في عدد الولادات في جميع أنحاء العالم؟ وستتطلب الإجابة عن هذا السؤال اتخاذ إجراءات دولية متضافرة للتخفيف من التأثيرات المحتملة على الاقتصادات والأمن الغذائي والصحة العامة والبيئة.

اقرأ في النهار Premium