شكّل خبر القبض على عصابة تعمل على استدراج الأطفال عبر منصّة "تيك توك" واغتصابهم صدمة للرأي العام اللبناني والعالم، لما في هذه القضية من تفاصيل مروعة تظهر تباعاً مع استمرار التحقيقات، وقد أظهرت بعد التوسع فيها أنّ العصابة تتألف من 30 شخصاً على الأقل، وهي مجموعة تضمّ أشهر "التيك توكر" في لبنان وعلى ويترأسهم مزين شعر معروف، إضافة إلى طبيب أسنان وصاحب متجر ألبسة، وهم من جنسيات مختلفة، وكانوا يقدّمون هدايا بسيطة للأطفال لاستدراجهم ويتمّ تخديرهم واغتصابهم وتصويرهم بهدف ابتزازهم لاحقاً، وإجبارهم على مساعدتهم لاستدراج عدد أكبر من الأطفال.
لطالما شدّد الخبراء على أهمية التحلّي بالوعي لمواجهة مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي و"تيك توك" بشكل خاص، كمنصّة تستقطب بشكل أساسي الأطفال والمراهقين، حيث تستخدمها النسبة الكبرى من الأطفال بين عمر 13 و17 سنة يومياً، وفق ما نُشر في WEBMD. حتى أنّ مستخدمي "تيك توك" قد يكون بنسبة كبرى بين عمر 10 و19 سنة، ما يؤكّد على الأثر المهمّ الذي قد يكون للمنصّة على أطفال قد لا يتحلّون بالوعي الكافي في مواجهة مخاطرها. كما يُظهر ذلك دور الأهل الأساسي في توعية الأطفال ومتابعتهم لتجنّب أي مخاطر يمكن أن يتعرّضوا لها. وقضية العصابة التي تستدرج الأطفال في لبنان تأتي لتؤكّد على أهمية نشر الوعي حول مخاطر المنصّة وضرورة توعية الأهل والأطفال، حرصاً على فئات عمرية هي أكثر هشاشة، حتى لا يتحوّل الأطفال إلى ضحايا "تيك توك" ومشاهيرها، بما يهدّد سلامتهم بالخطر ويعرّضهم إلى معلومات مغلوطة إضافة إلى مخاطر غير متوقعة.
كيف يمكن حماية الأطفال من محتوى"تيك توك"؟
على الرغم من أن وسائل التواصل الإجتماعي يمكن أن تساهم في نمو الطفل وتعزيز قدراته، يمكن أن تكون مصدر خطر بالنسبة له. وتظهر الأبحاث الخاصة بالصحة النفسية للأطفال أن الحرص على الطريقة التي يستخدم فيها الأطفال والمراهقون وسائل التواصل الاجتماعي، مسألة جوهرية لا بد من التركيز عليها. كما يجب على الأهل التحقق من المحتوى التي يصل إليه الطفل، بحسب ما نشرته الجمعية الأميركية للصحة النفسية. فتحديد الأوقات التي يمضيها الطفل على وسائل التواصل الاجتماعي، وإشراف الأهل، وإدارة المحتوى على وسائل التواصل ليكون أنسب للأطفال، إضافة إلى إقامة مناقشات مستمرة حول وسائل التواصل، كلّها عناصر تسمح بالاستفادة منها وتجنب المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الطفل من خلالها. وتماماً كما يحرص الأهل على حماية أطفالهم ويتشدّدون في الحفاظ على سلامتهم عندما يلعبون في الخارج، من الضروري أن يتشدّدوا أيضاً في حمايتهم عندما يستخدمون منصة مثل "تيك توك" أو أياً من وسائل التواصل الاجتماعي. ومن الضروري أن يأخذ الأهل في الاعتبار أنّ أي معلومة أو بيانات يمكن أن يشاركها الطفل عبر منصّة ما يمكن أن تنتشر وتصبح في متناول الكل وتقع بين أيدي أشخاص قد يشكّلون خطراً عليهم.
في حديثه مع "النهار العربي" يشدّد الخبير في التحوّل الرقمي فريد خليل على أنّ الأهل يتحمّلون المسؤولية بشكل أساسي. فأياً كانت المنصة التي يستخدمها الطفل، المخاطر الأساسية تأتي من الأفراد. كذلك يرتبط الخطر الذي يتعرّض له الأطفال الذين يستخدمون "تيك توك" بأفراد يتحوّلون إلى مصادر للخطر بالنسبة لهم. وثمة إجراءات عديدة يمكن أن يتخذها الأهل لحماية أطفالهم من أي خطر يمكن أن يتعرّضوا لهم عبر هذه المنصة:
-يجب ألّا يستخدم الطفل "تيك توك" أو يكون له حساب قبل بلوغه سن 13 عاماً.
-يجب الحرص على خلق بيئة معينة للطفل من مقوماتها الأساسية الترفيه والثقافة والرياضة والمتعة، بانتظار بلوغه عمر 13 عاماً. هذا شرط الحرص على ألّا يكون في المصادر التي تؤمّن له هذه البيئة أي مصدر يمكن أن يوقعه في خطر التعلّق الزائد بوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف.
-قبل أن يفتح الطفل حساباً على "تيك توك" عند بلوغه عمر 13 عاماً، يجب توعيته حول أهمية تجنّب متابعة أو قبول حسابات لأشخاص لا يعرفهم، وإن كانوا من المشاهير. كما يجب التشديد على أهمية تركيزه على المحتوى التثقيفي والتعليمي على المنصة بالدرجة الأولى.
-يجب التأكّد من أنّ حساب "تيك توك" للطفل هو خاص: الحرص على جعل الحساب خاصاً، يعني أنّه من المفترض أن يوافق على متابعة شخص له أو على مشاركته البيانات الخاصة به قبل أن تصبح متداولة. بهذه الطريقة لا تصبح بياناته في متناول أي كان بطريقة عشوائية.
-في قسم الإعداد والخصوصية يجب اختيار خاصية Content preferences ومن ضمنها restricted mode. فوفق ما يوضحه خليل، يسمح ذلك ضمن المنصة بأنّ أي محتوى جنسي أو عنفي أو سياسي قد لا يناسب الأطفال، لا يظهر للطفل في حال اختيار هذه الخاصية وهذا الاختيار يُرفق بكلمة سرّ.
-أيضاً في قسم الإعداد والخصوصيات، يمكن للأهل مراقبة ما يتعرّض له الطفل على "تيك توك" يمكن اختيار خاصية family pairing من هاتفهم الخاص وباعتماد Qr Code يدخلهم إلى هاتف الطفل عبر النسخ، بحيث تصبح أي متابعة للطفل على هاتفه موجودة أيضاً على هاتف الأهل، وتصلهم تبليغات حول ذلك. بهذه الطريقة يمكن التحقق ما إذا كان شخص ما يتواصل معه الطفل أو ما إذا كان يتابع محتوى لا يليق بسنه.
بحسب خليل، هذه التقنيات تسمح بتأمين حدّ أدنى من الحماية للطفل من الناحية التقنية، ومراقبة ما يتابعه وما قد يتعرّض له. لكن يبقى الأهم التواصل مع الطفل وتوعيته وخلق البيئة المناسبة له في السنوات الأولى وحتى عمر 13 سنة، تجهّزه لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي بوعي وبشكل مناسب لسنّه وبشكل يخفف من فضوله باتجاه المصادر غير اللائقة.
من جهة أخرى، يدعو خليل السلطات المحلية إلى التركيز على خلق رقابة وإصدار قوانين يمكن أن تعاقب هؤلاء الأشخاص، الذين يشكّلون خطراً على أطفالنا، وتقف في مواجهتهم وتحدّ من أنشطتهم الجرمية هذه.