صار التنبؤ المبكر باحتمال الإصابة بالخرف ممكناً قبل تسعة أعوام من التشخيص التقليدي، من خلال اختبار تصل صحة نتائجه إلى 80 في المئة، كما تخبرنا دراسة جديدة نشرتها صحيفة "التايمز" البريطانية.
خضع هذا الاختبار للتطوير من خلال مراجعة نتائج تصوير بالرنين المغناطيسي خضع له 81 شخصاً، تم تشخيص إصابتهم بالخرف. وعند مقارنتها بنتائج أشخاص في العمر نفسه، ولم يصابوا بالخرف، تمكن الباحثون من تحديد التغيّر الواضح في وظائف الدماغ عند المرضى، والذي يظهر قبل التحولات السلوكية الملحوظة، "وهذا مؤشر مبكر إلى فشل دماغي مستقبلي"، كما يقول البروفسور تشارلز مارشال، من جامعة كوين ماري في لندن.
يضيف مارشال: "نعلم أن التغيرات تبدأ في دماغ الإنسان قبل 10 أعوام إلى 20 عاماً من ظهور أعراض الخرف عليه، ونحن نستكشف ذلك بقياس وظائف الدماغ في تلك الفترة الزمنية التي تسبق ظهور الأعراض".
وكانت الدراسة التي نُشرت في مجلة Nature Mental Health محدودةً، نظراً إلى صغر حجم العينة المستهدفة، وإلى أن الاختبار لم يصل إلى المستوى المطلوب من الدقة لاعتباره اختباراً بحد ذاته. وإن شاع استخدامه الآن، فسينتهي الأمر بعدد كبير من النتائج الإيجابية المغلوطة.
العائق الأول
لكنّ هذا لا يُقلق مارشال، فهو على يقين بأن هذا الاختبار سيكون "قيّماً جداً" إن اقترن باختبارات مخبرية أخرى، مثل اختبارات الدم والعلامات الحيوية. ويؤكّد أن هذا الأمر "يدفعنا إلى بذل المزيد من الجهد لنحافظ على صحتنا العقلية، من خلال أداء مهمات نعلم أنها مفيدة للدماغ، مثل تناول الطعام الصحي، والحصول على القدر الكافي من النوم، ومراقبة ضغط الدم".
وبحسب تقرير "التايمز"، عَجْزُ الباحثين عن الوصول المبكر إلى أشخاص معرضين لخطر الإصابة بالخرف مستقبلاً هو العائق الأول والأهم الذي يحول دون نجاح هؤلاء الباحثين في تطوير العقاقير المستخدمة حالياً لعلاج الخرف وزيادة فعاليتها.
يركز الاختبار على الشبكة العصبية الدماغ في وضعية الراحة، وهي من بين أكثر الشبكات ضعفاً في أولى مراحل الخرف لأسباب غير مفهومة تماماً، "ونعلم أنها تنهار سريعاً"، كما يقول مارشال. وعلى الرغم من أن هذه الشبكة تمثل الحالة "العادية" للدماغ، فقد أدرك الباحثون أنها مقر الإحساس الدماغي، "إذ تنشط عندما يرى الإنسان أحلام اليقظة، ودورها مهم جداً حين يتحدث الإنسان عن نفسه، أو حين يصف مشاعره، فيبدو كأنه يسافر عبر الزمن"، بحسب مارشال.
البيانات قليلة
يقول باحثون آخرون إن هذه النتائج مثيرة للاهتمام، لكنها تحتاج إلى المزيد من التدقيق، بتوسيع نطاق الدراسة لتشمل عينة بشرية أكبر. استعان الباحثون ببيانات من البنك الحيوي في المملكة المتحدة، حيث يتلقى آلاف المتطوعين مجموعة من الفحوصات الطبية خلال حياتهم، لكن ثمة بيانات قليلة نسبياً لفحوصات دماغية منهجية للأشخاص قبل تشخيص إصابتهم بالخرف. وبحسب الدراسة، كان متوسط الفارق الزمني بين المسح الدماغي والتشخيص الحقيقي أكثر من ثلاثة أعوام ونصف عام. لكن فحوص بعض من شملتهم الدراسة بينت ظهور علامات دالة إلى إصابتهم بالخرف قبل تسعة أعوام من تشخيص إصابتهم فعلاً ورسمياً بالمرض.
من جهتها، ترى البروفسورة تارا سبايرز جونز، من معهد أبحاث الخرف في جامعة إدنبرة، أن مثل هذه الفحوصات لم تصل بعد إلى مرحلة اعتبارها "مفيدة سريرياً". وتضيف لصحيفة "التايمز": "على الرغم من أن تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي وهو في حالة الراحة مفيد بحثياً ونظرياً لتحديد الأشخاص الذين ربما يكونون في مراحل الخرف المبكرة، مهمٌ جداً أن نلاحظ أن هذه الفحوصات ليست متاحة على نطاق واسع، وليست مثالية في التنبؤ بمن سيُصاب بالخرف".
المطلوب تمويل
يقول الدكتور ريتشارد أوكلي، المدير المساعد للأبحاث والابتكار في جمعية ألزهايمر، إن استخدام اختبار الكشف المبكر عن الإصابة بالخرف يتطلب المزيد البحث، وبالتالي المزيد من التمويل. يضيف: "عملياً، لا تملك هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) بعدُ القدرة على نشر أدوات التشخيص المبكر. فماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي باهظة الثمن، وتحتاج إلى متخصصين لتشغيلها، وقد يصعُب على كثيرين في المملكة المتحدة الوصول إليها".
مع ذلك، يُعرب البروفسور أندرو دويغ، من جامعة مانشستر، عن تفاؤله بوجود متغيرات كبيرة مقبلة في عملية تشخيص الخرف. ويقول للصحيفة نفسها: "الخرف حالة معقدة، ولا أرجح أن نجد اختباراً واحداً بسيطاً يمكنه تشخيص الإصابة بالخرف تشخيصاً دقيقاً".
ويضيف: "لكنْ، ثمة سبب وجيه للاعتقاد بأننا سنُخضع أشخاصاً في منتصف العمر، في غضون سنوات قليلة مقبلة، لفحص روتيني يكشف عن الإصابة بالخرف، باستخدام الاختبار الدموي والتصوير الشعاعي وغير ذلك من الفحوصات المخبرية، وربما يكون التصوير بالرنين المغناطيسي جزءاً من عملية التشخيص. عندها سنعرف حقاً أي مريض يستفيد من الجيل الجديد من أدوية الخرف".