تسجّل الحيوانات المنويّة للأب نظامه الغذائيّ. يؤثّر هذا السجلّ على عمليّة الأيض لأبنائه، بحسب دراسة أجريت على الفئران والبشر.
نشرت مجلّة "نيتشر" هذه الدراسة في 6 حزيران (يونيو).
بحسب المجلّة، وجدت الدراسة أنّ إعطاء الفئران الذكور نظاماً غذائياً غنياً بالدهون يرفع مستويات بعض أنواع الحمض النووي الريبوزي (RNA) في حيواناتها المنويّة. وأظهر البحث أيضاً أنّ النسل من الذكور للفئران الذكور التي اتّبعت هذا النظام الغذائيّ غير الصحيّ كان يعاني مشكلات في الأيض مثل عدم تحمّل الغلوكوز، وهو سمة من سمات مرض السكّريّ. وأظهر أبناء الآباء من ذوي مؤشّر كتلة الجسم المرتفع (BMI) مشكلات مماثلة، بحسب التحليل الوبائيّ.
A dad’s diet affects his sperm — and his sons’ health https://t.co/DWi6mYLnDx @Nature
— Andrew D. Huberman, Ph.D. (@hubermanlab) June 6, 2024
أظهرت الدراسات أنّ الأمّهات قد ينقلن سمات أيضيّة إلى ذريتهن. أمّا بالنسبة إلى الآباء، فقد أظهرت دراسة سنة 2016 لفريق بقيادة تشي تشين، باحث في علم الأحياء الإنجابيّ في كلية الطب بجامعة يوتا في سولت ليك سيتي، أنّ بويضات الفئران المخصّبة التي حُقنت بالحمض النووي الريبوزيّ (RNA) للحيوانات المنويّة من آباء اتّبعوا نظاماً غذائياً عالي الدهون، تطورت إلى فئران ذات اضطرابات أيضيّة. تظهر الأبحاث أنّ التأثيرات المتتابعة للنظام الغذائيّ لأحد الوالدين لا تنتج من تغيرات في جينوم النسل، بل في "الوراثة اللاجينيّة" (epigenome) الخاصّة بهم، وهي مجموعة العلامات الكيميائيّة المعلّقة من الحمض النوويّ والبروتينات المرتبطة به.
بالنسبة إلى دراسة مجلّة "نيتشر"، تناولت ذكور الفئران نظاماً غذائياً غنياً بالدهون لمدة أسبوعين. وجد مؤلّفو الدراسة أنّ هذا النظام أدّى إلى تغييرات في نوع من الحمض النووي الريبوزيّ في ميتوكوندريا (متقدّرات) الحيوانات المنويّة، وهي الهياكل الموجودة داخل الخلايا التي تولّد الطاقة. إنّ الجزيئات المصابة التي تسمّى الحمض النووي الريبوزي الناقل ((tRNA هي منتجات وسيطة في عمليّة نسخ الحمض النوويّ إلى بروتينات.
على وجه الخصوص، كانت الحيوانات المنويّة لدى الفئران التي تناولت طعاماً دهنياً تحتوي على مزيد من الشذرات القصيرة من الحمض النووي الريبوزي الناقل بالمقارنة مع الحيوانات المنويّة لدى الفئران التي تناولت نظاماً غذائياً منخفض الدهون. يمكن لشذرات الحمض النووي الريبوزي هذه أن تعمل كمنظِّمات لاجينيّة للجينوم، على سبيل المثال، في زيادة أو خفض نشاط بعض جينات الميتوكوندريا.
الإجهاد
تبدو النتائج منطقيّة بحسب التقرير نفسه: فالنظام الغذائيّ الذي يحتوي على نسبة عالية من الدهون يضغط على الميتوكوندريا، كما يقول رافاييل تيپيرينو، المؤلّف الرئيسي للدراسة والباحث في علم الوراثة اللاجينيّة البيئيّة في مركز هيلمهولتز في ميونيخ في نوهيربرغ الألمانية. عند الإجهاد، تقوم الميتوكوندريا بإنتاج المزيد من الحمض النووي الريبوزي لإنتاج المزيد من الطاقة.
Great paper from our colleague Raffaele Teperino @HDC @epi_tep. A dad’s diet affects his sperm — and his sons’ health https://t.co/k4s89E5xmW
— Heiko Lickert (@LickertHeiko) June 6, 2024
يقول تشين الذي لم يشارك في الدراسة إنّ استجابة الميتوكوندريا هي مقايضة. تمنح الزيادة في نشاط الميتوكوندريا الحيوانات المنويّة ما يكفي من الطاقة للسباحة للوصول إلى البويضة، ولكن الحمض النووي الريبوزي الإضافي للميتوكوندريا ينتقل أيضاً من الأب إلى الجنين، فيغيّر المعلومات التي يحصل عليها الجنين من والده ويضرّ بصحته.
لم ينظر فريق تيپيرينو إلى الخلايا فقط، بل أيضاً إلى صحّة البشر الذين كان آباؤهم يعانون زيادة الوزن والفئران التي تناول آباؤها طعاماً دهنياً. ووجد الباحثون أنّ نحو 30 في المئة من المجموعة الأخيرة تعاني اضطرابات التمثيل الغذائيّ. وأظهرت تجارب أخرى أنّه كان لدى نسل الفئران كميّة أكبر بكثير من الحمض النووي الريبوزي الناقل الميتوكوندري من آبائهم بالمقارنة مع أبناء ذكور الفئران التي اتّبعت نظاماً غذائياً قليل الدهون. وقام الباحثون أيضاً بتحليل بيانات من 3431 طفلاً بشرياً فوجدوا أنّ ارتفاع مؤشر كتلة الجسم لدى الأب عند الحمل كان مرتبطاً بصحة أسوأ في الأيض لدى النسل.
ما يثير الاهتمام أكثر
أحد القيود الفنيّة للدراسة هو أنّ طريقة التسلسل المستخدمة في بعض التجارب ترصد فقط جزيئات الحمض النووي الريبوزي الكاملة. لهذا السبب، لم تتمكن الدراسة من إظهار ما إذا كان الحمض النووي الريبوزي المجزأ قد نُقل من الأب إلى الجنين. يقول تيپيرينو: "نحن نفترض أنّه تمّ نقل الشذرات أيضاً، لكن لا يمكننا إثبات ذلك".
واقع أنّ آباء الفئران في الدراسة لم ينقلوا سوى مشكلات التمثيّل الغذائيّ إلى النسل الذكور، وهو ما يتوافق مع ورقته البحثيّة لسنة 2016، يثير اهتمام تشن خاصة. ويقول: "يشير هذا إلى أنّ الحيوانات المنوية X والحيوانات المنوية Y تحمل معلومات مختلفة". ويقول إنّ سبب قيام الحيوانات المنوية X وY بذلك هو "سؤال جيّد جداً للدراسات المستقبلية".
يقول تشين إنّ الدراسة تعني أنه إذا كنتَ تكوّن حيوانات منويّة، "فيجب عليك تناول طعام صحّيّ. سوف يؤثّر على المعلومات المحمولة في الحيوانات المنوية الخاصة بك. وسوف يؤثر على نسلك".