أثبتت الأبحاث السابقة أن الإجهاد المزمن يمكن أن يرهق الجسم ويكون له تأثير سلبي على جميع جوانب الصحة تقريباً. بالنسبة للدماغ على وجه الخصوص، ارتبطت المستويات المرتفعة من هرمون التوتر "الكورتيزول" cortisol بضعف الذاكرة وانخفاض حجم الحصين، وهي منطقة دماغية مهمة لوظائف الذاكرة.
وكشف تحليل جديد للبيانات الصحية لأكثر من 24000 شخص نُشر في JAMA Network Open أن مستويات التوتر المرتفعة من المرجح أن تزيد من خطر التدهور المعرفي، ما يؤثر على الذاكرة والتركيز والقدرة على التفكير ووظائف الدماغ الأخرى.
يقول المؤلف الرئيسي أمبار كولشريشثا: "خلصت دراستنا إلى أنه حتى الإجهاد العام يمكن أن يؤدي إلى التدهور المعرفي، على الرغم من أن التخلص من التوتر ليس ممكناً دائماً، إلا أنه يمكننا أن نتعلم كيفية تطوير استجابات صحية لإدارة التوتر باستخدام بعض الرعاية الذاتية".
أُبلغت النساء والبالغون ذوو البشرة السوداء عن مستويات أعلى من التوتر
وجد الباحثون أن المستويات المرتفعة من التوتر المتصور ارتبطت باحتمالات أعلى بنسبة 37% لضعف الإدراك. واستندت النتائج التي توصلوا إليها إلى بيانات من 10177 مشاركاً من ذوي البشرة السوداء 42%، و14271 مشاركاً من ذوي البشرة البيضاء 58%، وتراوحت أعمار الأفراد بين 45 و98 عاماً. وكان ستة من أصل 10 أشخاص من النساء، وأفاد ما يقرب من 23% من المشاركين بارتفاع مستويات التوتر.
ولاحظ مؤلفو الدراسة أن المشاركين الذين يعانون إجهاداً أعلى كانوا أكثر عرضة لأن يكونوا من الإناث، وأكثر احتمالاً من أن يكونوا من ذوي البشرة السوداء، وأكثر احتمالاً أن يكونوا أصغر سناً.
وأظهرت النتائج أن 70% من المشاركات تعرضن لضغوط مرتفعة مقارنة بـ30% من الذكور، وأبلغ ما يزيد قليلاً عن نصف المشاركين من ذوي البشرة السوداء عن ارتفاع الضغط مقارنة بأقل من نصف المشاركين ذوي البشرة البيضاء. وكان متوسط عمر الأشخاص الذين يعانون ارتفاع التوتر 62 عاماً، مقارنة بـ64 عاماً لأولئك الذين يعانون انخفاض التوتر.
ومن بين أولئك الذين يعانون ارتفاع التوتر، لاحظ الباحثون أيضاً عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية تكراراً، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم والسكري وارتفاع الكوليسترول.
لماذا هناك مجموعات معينة أكثر عرضة للتعرض للتوتر؟
أما بالنسبة لسبب تعرض المشاركين الأصغر سناً لمزيد من التوتر، تشير يوكو هارا، مديرة الشيخوخة والوقاية في مؤسسة اكتشاف أدوية مرض الزهايمر، إلى أن الأشخاص في الأربعينات والخمسينات من العمر قد يكون لديهم مسؤوليات وظيفية شديدة التوتر، إلى جانب الضغط المالي والعاطفي من تربية الأطفال.
وتضيف الدكتور هارا: "عندما يتعلق الأمر بالنساء اللاتي يعانين المزيد من التوتر، قد يكون الخلل بسبب المسؤوليات الأكبر التي قد تتحملها النساء في الموازنة بين رعاية الأطفال والمسؤوليات المنزلية، غالباً أثناء شغل وظيفة".
ويشير مؤلفو الدراسة إلى أن الأميركيين من أصل أفريقي هم أكثر عرضة للتعرض للضغط المرتبط بالتمييز والفقر، تكشف النتائج أنه على الرغم من أن الأفراد البيض قد يعانون مستويات أعلى من التوتر لأسباب مختلفة، إلا أنهم ما زالوا يعانون تدهوراً مماثلاً في التدهور المعرفي بسبب الإجهاد.
أما الأفراد ذوو التعليم المنخفض ودخل الأسرة المنخفض فهم أيضاً أكثر عرضة للإصابة بضغط أعلى، ويشرح كولشريشثا: "إنهم يواجهون تحديات يومية في ما يتعلق بالغذاء والدخل وانعدام الأمن السكني ورعاية الأطفال ودعم المسنين".
وكان الأشخاص الذين يعانون التوتر المرتفع أكثر عرضة للعيش في جنوب شرق الولايات المتحدة. ويشار إلى هذه المنطقة من البلاد باسم "حزام السكتة الدماغية" من قبل علماء الأوبئة، لأن معدلات السكتة الدماغية أعلى بنسبة تزيد عن 30 بالمئة من المعدل الوطني.
اتخاذ خطوات للحد من التوتر
بالنسبة لبيرسي جريفين، دكتوراه، مدير المشاركة العلمية لجمعية الزهايمر، فإن الدراسة مهمة لأنها ترفع الوعي حول العوامل المرتبطة بالتوتر والتي قد تزيد من خطر التدهور المعرفي ومرض الزهايمر والخرف.
ويقول: "كلما عرفنا المزيد عن كيفية تأثير نمط الحياة والقضايا السلوكية على الإدراك ومخاطر الإصابة بالخرف، كلما أصبحنا أفضل استعداداً لتصميم وتنفيذ استراتيجيات فعالة متعددة المكونات للحد من خطر التدهور المعرفي والخرف".
تسلط هارا الضوء على طرق عدة يساعد بها الأفراد على التخلص من التوتر، بما في ذلك اتباع نظام غذائي صحي، والنوم من سبع إلى ثماني ساعات كل ليلة، وممارسة النشاط البدني الكافي، وطلب المشورة عند الحاجة.
وتقول: "من المهم أيضاً تخصيص وقت للاسترخاء والتواصل مع الأشخاص الذين تثق بهم". هناك طرق استرخاء يمكنك تجربتها، بما في ذلك أخذ نفس عميق، والتأمل، وممارسة اليوغا. قضاء الوقت في الأنشطة التي تستمتع بها، مثل الهوايات، يمكن أن يكون مفيداً أيضاً".