في خطوة علمية رائدة قد تُحدث ثورة في علاج مرض الذئبة الحمراء، أعلن فريق من العلماء في مركز نورث وسترن للطب، ومستشفى بريغهام والنساء اكتشافهم خللاً جزيئياً يعتبر محفزا للاستجابة المناعية المرضية التي تسبب الذئبة، وأشاروا إلى أن تصحيح هذا الخلل قد يفتح الباب أمام علاج جذري للمرض.
لكن ما هو مرض الذئبة الحمراء؟ يعرف أيضاً باسم الذئبة الحمامية الجهازية (Systemic Lupus Erythematosus)، وهو مرض مناعي ذاتي مزمن يصيب أكثر من 1.5 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها، فيما يقدر أن 5 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون مع شكل من أشكال الذئبة.
يتسبب هذا المرض في مهاجمة الجهاز المناعي لأنسجة الجسم وأعضائه، مما يؤدي إلى التهاب وتلف في الأعضاء الحيوية مثل الكلى والدماغ والقلب، وتشير الإحصاءات إلى أن 90 بالمئة من المصابين بالذئبة هم من النساء، وتنتشر الذئبة بشكل أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 44 عاماً، بحسب بيانات الاتحاد الدولي لجمعيات مرضى الذئبة.
مسار جديد
رغم انتشار المرض وآثاره المدمرة، بقيت أسباب الذئبة الحمراء غامضة حتى الآن. وتعتمد العلاجات الحالية على تثبيط جهاز المناعة بشكل عام، وهو ما قد يؤدي إلى آثار جانبية خطيرة، مثل زيادة قابلية المرضى للإصابة بالعدوى.
وفي دراسة نشرت أخيراً في مجلة نيتشر، كشف العلماء عن مسار جديد للمرض يبدأ بتغيرات في جزيئات متعددة في دم مرضى الذئبة. تؤدي هذه التغيرات في النهاية إلى عدم تنشيط كاف لمسار يسيطر عليه مستقبل الهيدروكربون العطري (AHR)، ما يؤدي إلى زيادة في الخلايا المناعية المسببة للمرض، والتي تسمى خلايا T peripheral helper.
في تجارب مخبرية، تمكن العلماء من تصحيح الخلل وإعادة برمجة الخلايا، من طريق إعادة تنشيط مستقبل الهيدروكربون العطري في عينات الدم من مرضى الذئبة، مما أدى إلى إعادة برمجة الخلايا المسببة للمرض إلى نوع آخر من الخلايا يُسمى Th22، والذي يُعتقد أنه يعزز التئام الجروح الناتجة عن تلف الأنسجة في المرض.
تُظهر الصورة مجموعة من الخلايا المناعية التي تسمى خلايا الذئبة الحمامية (LE cells)
الدكتور جاي هيوك تشوي، الأستاذ المشارك في طب الأمراض الجلدية في كلية فينبرغ للطب بجامعة نورث وسترن، وصف هذا الاكتشاف بأنه "علاج محتمل" للذئبة، قائلاً في تصريحات للصحافيين: "لقد اكتشفنا خللاً جوهرياً في الاستجابات المناعية التي تحدث لدى مرضى الذئبة، وحددنا وسطاء محددين يمكنهم تصحيح هذا الخلل لتخفيف الاستجابة المناعية الذاتية المرضية".
أوضح تشوي: "اكتشفنا أنه من خلال تنشيط مسار مستقبلات أريل الهيدروكربونية (AHR) باستخدام منشطات جزيئية صغيرة، أو عن طريق تقليل مستويات الإنترفيرون المفرطة في الدم، يمكننا تقليل عدد الخلايا المسببة للمرض. وإذا ثبتت استمرارية هذه التأثيرات، فقد يمثل ذلك علاجاً واعداً".
يعمل الباحثون الآن على تطوير طرق آمنة وفاعلة لتوصيل هذه الجزيئات المنشطة لمستقبل AHR إلى المرضى، مما يعد بمثابة تعبيد طريق جديدة يمضي فيها العلماء لتطوير علاجات محتملة للذئبة الحمراء، تُعالج المرض من جذوره بدلاً من مجرد تثبيط الجهاز المناعي.
يأتي هذا الاكتشاف تتويجاً لسنوات من البحث والدراسات حول مرض الذئبة الحمراء. فقد كشفت دراسات سابقة عن عوامل وراثية وبيئية قد تزيد من خطر الإصابة بالمرض، إلا أن الأسباب الجزيئية الدقيقة ظلت غير واضحة.
وفي عام 2020، اكتشف فريق آخر من العلماء أن خلايا الدم البيضاء لدى مرضى الذئبة الحمراء تنتج كميات كبيرة من الإنترفيرون، وهو بروتين يلعب دوراً هاماً في الاستجابة المناعية، ولكن زيادته قد تؤدي إلى تلف الأنسجة.
ويعتقد الاختصاصيون أن الكشف الأخير يمثل أملاً جديداً لملايين الأشخاص الذين يعانون من الذئبة الحمراء حول العالم. فإذا نجحت التجارب السريرية المستقبلية، فقد يتوفر قريباً علاجاً جذرياً لهذا المرض المزمن، يحسن من جودة حياة المرضى، ويقلل من معاناتهم.