تُعد مشكلات العظام من القضايا الصحية الهامة التي تؤثر على جودة حياة الأفراد وصحتهم العامة. من بين هذه المشكلات، تبرز هشاشة العظام كأحد أبرز التحديات التي تواجه الصحة العظمية، وخاصة لدى النساء، حيث تزداد خطورة الإصابة بها ازدياداً ملحوظاً بعد انقطاع الطمث. فهشاشة العظام هي حالة تتميز بانخفاض كثافة العظام وضعف بنيتها، ما يجعلها أكثر عرضة للكسر حتى من الإصابات الطفيفة، وعادةً ما تتطور هذه الحالة تدريجياً دون أعراض ملحوظة حتى يحدث كسر أو مشكلة صحية كبيرة.
إن فهم العلاقة بين الهرمونات وصحة العظام هو مفتاح للتعامل الفعّال مع هشاشة العظام، وهذا ما توصلت إليه الدراسة التي نشرت في مجلة Nature.
لطالما تساءل العلماء عن سبب عدم انكماش عظام الأمهات مع الحمل والرضاعة اللذين يستهلكان الفيتامينات والكالسيوم من جسم الأم. ويبدو أن باحثين أميركيين من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو توصلوا لحل هذا اللغز. فقد اكتشفوا هرموناً جديداً تماماً في الفئران الإناث يعزز نمو عظام قوية وكثيفة تعزيزاً مذهلاً، وقد أطلق عليه علماء الأعصاب اسم هرمون الدماغ الأمومي MBH، وهو يعمل على بناء عظام قوية وصحية في الفئران من الجنسين ومن جميع الأعمار.
كانت مجمل الدراسات تدور حول تأثير الإستروجين على العظام، فالإستروجين هو منشط جنسي له دور في بناء العظام وله تأثيرات واسعة النطاق على الدماغ. وبينما يرتفع وينخفض طوال الحياة، يتم إنتاج الإستروجين بكميات أقل بعد انقطاع الطمث، ما يجعل النساء الأكبر سناً عرضة لتأثيرات إضعاف العظام بسبب هشاشة العظام.
تنخفض مستويات هرمون الإستروجين أيضاً عند الأم المرضعة، ما يؤدي كذلك إلى إبطاء نمو العظام. وفي الوقت نفسه، يمتص جسم الأم الكالسيوم من عظامها لمواصلة تغذية مولودها الجديد، وهو ما من شأنه أن يعرض العظام لخطر أكبر.
وفي عام 2019، فوجئ مختبر إنغراهام في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو باكتشاف أن حجب هرمون الإستروجين عن جزء معين من دماغ أنثى الفأر أدى في الواقع إلى تحسين قوة عظام الحيوان تحسيناً كبيراً، ما أثار التساؤل حول وجود هرمون آخر لبناء العظام، وقد اكتُشف أخيراً.
هرمون الدماغ الأمومي المكتشف، أو MBH، هو بروتين معروف يسمى CCN3. يفرز بواسطة خلايا عصبية في منطقة من الدماغ تُدعى النواة القوسية، وهو يلعب دوراً في التكاثر والبلوغ. وما اكتُشف أنه أثناء الرضاعة الطبيعية عند الفئران، تزيد هذه الخلايا العصبية من إنتاج MBH مع انخفاض هرمون الإستروجين.
وتبين أن هذا الهرمون يحفز نشاط الخلايا الجذعية في أنسجة العظام لدى الفئران والبشر، وكان من المذهل أن ارتفاع الهرمون المذكور في الفئران الحية من الجنسين ومن جميع الأعمار، أدى إلى تعزيز إعادة تشكيل العظام وتسريع إصلاح الكسور.
وعلى الرغم من أن مستويات هرمون الإستروجين تعود إلى طبيعتها عندما تتوقف الرضاعة، فإن الأم وصغارها لن يكونوا في وضع صحي بدون الطبيعة المضادة لـMBH. في التجارب التي أجريت على الفئران الحية، عندما تم تثبيط إنتاج MBH اصطناعياً، وجد الباحثون أن الأم فقدت كثافة عظام أكثر بكثير مما هو معتاد وفقدت الجراء وزنها بسرعة.
وعلى نقيض ذلك، عندما أدخل الباحثون كمية إضافية من الهرمون إلى الفئران الشابة والمسنة، ذكوراً وإناثاً، أظهرت الحيوانات زيادات هائلة في كتلة العظام والقوة في غضون أسابيع. وحتى بالنسبة للفئران الإناث الأكبر سناً ذات مستويات الإستروجين المنخفضة جداً، أدى العلاج بالـMBH إلى مضاعفة كتلة عظامها بأكثر من الضعف.
يقول عالم الأحياء المتخصص في الخلايا الجذعية توماس أمبروزي من جامعة كاليفورنيا ديفيس: "هناك بعض الحالات حيث لا تكون العظام شديدة التمعدن أفضل؛ يمكن أن تكون أضعف وتنكسر بسهولة أكبر، لكن عندما اختبرنا هذه العظام، اتضح أنها أقوى بكثير من المعتاد. لم نتمكن أبداً من تحقيق هذا النوع من التمعدن ونتيجة الشفاء بأي استراتيجية أخرى".
وهناك المزيد من الإيجابيات، فعندما قام الباحثون بتغليف الهرمون المكتشف في رقعة هيدروجيل ووضعوه مباشرة على عظم مكسور في فأر مسن، فقد عزز نمو العظام المكسورة، لكن يجب إجراء المزيد من البحوث لمعرفة مدى نجاح هذه النتائج في البشر. فعند الرضاعة الطبيعية، يفقد البشر مؤقتاً حوالي 10% من كثافة عظامهم، وهي نسبة أقل بكثير من تلك الموجودة في الفئران.
ويوضح إنغراهام: "فقدان العظام لا يحدث فقط عند النساء بعد انقطاع الطمث، بل يحدث غالباً عند الناجيات من سرطان الثدي اللاتي يتناولن بعض مثبطات الهرمونات؛ وعند الرياضيات الشابات اللواتي يتمتعن بتدريب مكثف؛ كما عند الرجال الأكبر سناً الذين تكون معدلات بقائهم النسبي أقل من النساء بعد كسر في الورك".