منذ بداية الحرب في غزة وفي جنوب لبنان في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، يعيش اللبنانيون حالة ترقب وقلق خشية أن تتسع رقعة الحرب، خصوصاً في ظل الضغوط المستمرة والمتزايدة والحملات التي تقام بهدف تعزيز هذا القلق، سواء عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. ففي مثل هذه الظروف، تكون الأجواء ملائمة لتعزيز المخاوف ونشر حالة الهلع. لكن، إذا كان اللبنانيون قد استبعدوا احتمال اتساع رقعة الحرب خلال فترة معينة، استطاعت الحرب النفسية في الأيام الأخيرة أن تعزز هذه المخاوف بحيث بلغت حالة القلق الذروة لدى كثيرين، خصوصاً في ظل دعوات السفارات رعاياها إلى مغادرة البلاد.
كيف تبدو الحالة النفسية للبنانيين في ظل الظروف الحالية؟
بالنسبة للبعض قد يكون اللبنانيون أكثر مرونة وقدرة على تحمل الظروف الصعبة، فيما يعتبر آخرون أن كل الصعاب والأحداث والحروب التي مر بها اللبناني جعلته أكثر هشاشة من الناحية النفسية. وفق ما توضحه الاختصاصية في المعالجة النفسية لانا قصقص يعتبر اللبنانيون في حالة مستمرة من انعدام الاستقرار، خصوصاً في ظل وجود احتمال التصعيد في الحرب المستمرة من أشهر عدة. هذا ما له أثر نفسي سلبي يولّد لدى اللبناني حالة توتر مستمر وقلق. وما يزيد الوضع سوءاً بالفعل أن اللبناني مر بالكثير من الحروب والصراعات وظروف عدم الاستقرار في مراحل سابقة، وقد بقيت مخزنة في ذاكرته بشكل تؤثر على السلاك الداخلي لديه. انطلاقاً من ذلك، ثمة آثار نفسية عدة تتفاوت في حدتها بين شخص وآخر، إلا أنها تتراوح بين القلق الخفيف والتفكير الزائد بالحرب وتداعياتها والاضطرابات النفسية الحادة واضطراب ما بعد الصدمة والقلق المرضي.
هل صحيح أنه من الممكن الاعتياد على فكرة الحرب بسبب المرور بظروف مماثلة سابقاً؟
بقدر ما يكون الإنسان مستعداً ذهنياً ونفسياً ومن الناحية العملية على التعامل مع مثل هذه الظروف الحساسة والتحضر لها، تزيد القدرة على السيطرة على الشعور بالأمان. هذا ما يمكن أن يخفف من القلق بسبب الاستعداد لما يمكن أن يحصل. من جهة أخرى، الاستمرار بالتفكير بالحرب للاعتياد عليها وتقبلها له آثار سلبية على الصحة النفسية على المدى البعيد فهي تزيد الإحساس بعدم الأمان ويصبح الشخص المعني قلقاً ومضطرباً ويجد صعوبة في التحكم بمشاعره.
لماذا يبدو أن البعض يتقبل احتمال حصول حرب بمزيد من الصلابة؟
مما لا شك فيه أنه قد تختلف الاستجابات بين شخص وآخر لأنه في لبنان ينقسم المواطنون بين من لهم التزاماً دينياً وحزبياً ويعتبرون أن من واجبهم أن يحملوا القضية وأن يتقشفوا عبر الحرمان من الملذات ومصادر المتعة في ظروف كهذه، فيما يعتبر آخرون أنه لا بد من الاستمرار بعيش حياة طبيعية والاستمتاع بالحياة أياً كانت الظروف. هذا الانقسام في الآراء يولد تفاوتاً في التعاطي مع فكرة الحرب واحتمال التصعيد فيها، مرتبط بحسب قصقص بالتجارب التي يعيشها الإنسان والبيئة العائلية. فبقدر ما تكون متزمتة ولهم معتقدات صارمة يغيب عنها التحرر على المستوى النفسي، يضع الإنسان نفسه في إطار معين وحدود ويجد صعوبة في التأقلم مع الظروف. من جهة أخرى، تبرز العوامل الشخصية التي ترتكز على المناعة النفسية والقدرة على التكيف مع الظروف واستجابة للتوتر والصراعات والأزمات. هذه العوامل لها الأثر الأكبر على القدرة مع التعامل مع الظروف وتحدد ذاك التفاوت الحاصل بين اللبنانين حيال احتمال اتساع رقعة الحرب.
كيف يمكن الحد من الأثر المرافق للحرب النفسية التي يتعرض لها اللبنانيون؟
من الضروري الحرص على وضع القلق والخوف في إطار طبيعي. ففي هذا الوضع غير الطبيعي، تؤكد قصقص أنه من الطبيعي أن يواجه المواطن حالة القلق والخوف.
من جهة أخرى من المهم الحفاظ على العلاقات مع المقربين ونظام الدعم. هذا، إضافة إلى الرعاية بالذات من خلال ممارسة الرياضة أو أي أنشطة مفضلة. ويمكن الاطلاع على الأخبار والمستجدات لكن ليس بشكل مفرط يتحول إلى هاجس. أما التحول إلى المبالغة في التفكير فقد يستدعي اللجوء إلى المعالجة النفسية.