لطالما تغنّى الخبراء بفوائد الشوكولاتة الداكنة وأوصوا بتناولها ضمن النظام الغذائي الصحي لفوائدها التي لا تُعدّ ولا تُحصى. لكن أتت دراسة جديدة لتدعو إلى إعادة النظر في هذا المجال.
ما فوائد الشوكولاتة الداكنة؟
ما تؤكّده خبيرة التغذية الدكتورة نيفين بشير، أن الشوكولاتة الداكنة تُعتبر أفضل الوجبات الصغيرة الصحية التي يمكن الاعتماد عليها ضمن نظام غذائي صحي، خصوصاً إذا كانت تحتوي بنسبة 80% منها على الكاكاو ولم يُضف إليها إلّا القليل من مادة Lectithin التي تعطيها تركيبة تذوب في الفم وتضفي عليها مذاقاً لذيذاً في الفم. إذ تحتوي الشوكولاتة الداكنة على نسبة عالية من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة. وفي 50 غ من الشوكولاتة الداكنة الخالية من الإضافات حوالى 200 وحدة حرارية.
أكّدت دراسات عديدة على أهميتها لمستوى ضغط الدم ولمؤشر السكر، إضافة إلى فوائد أخرى، شرط أن تكون مصنّعة من دون الاعتماد على مواد مضافة أخرى. هذا ما تجعلها حصة مثالية يمكن الاعتماد عليها. من جهة أخرى، تُعتبر الشوكولاتة الداكنة من الأطعمة التي تساعد في تحسين المزاج لغناها بمواد الـpolyphenols. إنما في الوقت نفسه، تشدّد بشير على ضرورة احتساب حصة الشوكولاتة الداكنة التي تحتوي على زبدة الكاكاو ضمن النظام الغذائي الصحي، ولو احتوت على الكاكاو بنسببة 80 أو 90% منها، حفاظاً على معدل معيّن من الوحدات الحرارية التي يمكن تناولها.
أي نوع من الشوكولاتة هو الأفضل؟
لدى إضافة السكر إلى الشوكولاتة الداكنة لتغيير مذاقها أو في حال إضافة المكسّرات او أي نوع من الحشوة، أو بمجرد إضافة الحليب للحصول على الشوكولاتة بالحليب، تزيد الوحدات الحرارية تلقائياً وتخف الفوائد المباشرة المهمّة التي يمكن الحصول عليها من نبتة الكاكاو. فلدى إضافة السكر أو أي مواد أخرى، تزيد الوحدات الحرارية، فلا تعود من الوجبات الصحية، بل تصبح وجبة صغيرة لا بدّ من تناولها باعتدال تجنّباً لزيادة الوحدات الحرارية في النظام الغذائي. ففي هذه الحالة، لا تعود الوحدات الحرارية قليلة فيها، وتُضاف إلى الوحدات الحرارية الباقية التي يمكن تناولها خلال النهار بمعدلات زائدة.
متى تشكّل الشوكولاتة الداكنة خطراً على الصحة؟
الحصول على لوح الشوكولاتة يمرّ بمراحل عديدة، بدءاً من مرحلة زراعة نبتة الكاكاو وحصادها وتخمير الكاكاو، وتجفيفه وتحميصه...هي عملية بطيئة وطويلة جداً تتخلّلها خطوات عديدة إلى أن يتمّ الوصول إلى مرحلة التصنيع للحصول على مئات الألواح من الشوكولاتة اللذيذة. لكن في كافة الخطوات التي يمكن المرور بها، تشدّد بشير على أهمية احترام معايير معينة لا يمكن التهاون فيها، حفاظاً على مادة خام لا تُضاف إليها مواد كيماوية. فتكون عندها صالحة للأكل وهي صحية ولا أضرار جانبية لها.
فالدراسة الحديثة التي نُشرت في مجلة Frontiers in nutrition ،تكشف عن جانب آخر هنا. فتشير إلى أن الشوكولاتة الداكنة ومنتجات الكاكاو قد تحتوي على معادن ثقيلة سامة، ترتبط بالإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة والمشاكل الصحية. وفي الدراسة تبين أن الشوكولاتة الداكنة ومنتجات الكاكاو قد تكون ملوثة بالرصاص والكادميوم اللذين يُعتبران معدنين سامين للأعصاب، وهما يرتبطان بالسرطان والأمراض المزمنة ومشاكل الإنجاب والنمو، خصوصاً لدى الأطفال. وكون الرصاص والكادميوم من العناصر الطبيعية في قشرة الأرض، هما موجودان في التربة التي تُزرع فيها المحاصيل، بحيث لا يمكن تجنّبها. على الرغم من ذلك، تحتوي بعض الحقول والمناطق على مستويات سامة أعلى أكثر من غيرها. ويعود ذلك إلى حدّ ما إلى الإفراط في استخدام الأسمدة التي تحتوي على المعادن الثقيلة والملوثات الصناعية. وصحيح أن الكاكاو نبتة تنمو على أرض تحتوي على عدد أقل من المبيدات الحشرية والمواد الملوثة الأخرى، لكن تبين في الدراسة أن الشوكولاتة الداكنة قد تحتوي على أعلى المستويات من هذه المعادن. تجدر الإشارة إلى أن الدراسة شملت فحص منتجات الشوكولاتة النقية الداكنة فقط، كونها تحتوي على كمية أعلى من الكاكاو، وهو الجزء الخام غير المُعالج من حبوب الكاكاو، بينما تستبعد الحلوى أو الشوكولاتة التي تحتوي على مكونات أخرى. وفي هذه الدراسة، تمّ تحليل 72 منتجاً من منتجات الكاكاو للتحقق من مستويات الرصاص والكادميوم والزرنيخ خلال 8 سنوات. وصدر عن منظمة "أطفال أصحاء في المستقبل المشرق" التي تلتزم بالحدّ من تعرّض الأطفال للمواد الكيميائية السامة للأعصاب، أن المستويات المتوسطة من الرصاص والكادميوم في منتجات تحتوي على الكاكاو تساوي أو تفوق تلك التي تجدها هيئة الغذاء والدواء الأميركية في الأطعمة التي تختبرها.
وفي 6 مجموعات من منتجات الشوكولاتة التي تمّ اختبارها في الدراسة، تجاوزت نسبة 43 % منها الحدّ الأقصى المسموح به للرصاص الذي حدّدته المادة 65 في قانون ولاية كاليفورنيا، بينما تجاوزت بنسبة 35% الحدّ الأقصى المسموح به للكادميوم. لكن لم يتبين وجود مستويات مرتفعة من الزرنيخ. وقد أكّد الباحثون أن البالغين الأصحاء الذي يتناولون كميات صغيرة من الشوكولاتة يجب ألّا يخافوا من تناولها. إلّا أن خطر التعرّض إلى المعادن الثقيلة يرتفع إذا كان الشخص يعاني مشكلة صحية، كذلك بالنسبة للحوامل والأطفال الصغار. ومع مرور الوقت، قد يؤدي استهلاك مستويات منخفضة من الكادميوم إلى إتلاف الكلى. وتصفه وكالة حماية البيئة أن هذا المعدن مادة مسرطنة محتملة للإنسان. كما تشير منظمة الصحة العالمية، أن الرصاص يمكن أن يؤثر بشكل خاص على نمو دماغ الأطفال، ما قد يؤدي إلى انخفاض معدل الذكاء، والتغيّرات السلوكية مثل انخفاض القدرة على التركيز وزيادة السلوك المعادي للمجتمع وانخفاض التحصيل التعليمي. هذا، فيما لا داعي للقلق بالنسبة للبالغين الأصحاء.
وفق ما توضحه بشير، من الممكن أن توضع للنبتة والتربة مواد هدفها تسريع نموها ولأسباب تجارية، فمن الطبيعي أن ترتفع أكثر معدلات المعادن الثقيلة في النبتة وتتراجع فوائدها الغذائية وأهميتها على المستوى الصحي. وهذا لا يقتصر على نبتة الكاكاو، بل يرتبط بكافة الأغذية. فالدواعي التجارية تدفع اليوم إلى المبالغة في استخدام مثل هذه المواد في الزراعة لتحقيق المزيد من الأرباح. فلم يعد الهدف هو تعزيز الفوائد الغذائية والعناصر المغذية وتأمين الغذاء الصحي الأمثل. لذلك، قد تكون المعادن الثقيلة وغيرها من المواد موجودة في أي من الأغذية الصحية المثلى، ومنها الكاكاو والماتشا والمورينغا، لاعتبارها حساسة في عملية التصنيع، ومن الممكن أن تحتوي على مواد سامة للإنسان في حال استهلاكها على المدى البعيد. ويرتبط كل ذلك بعملية الزراعة والتصنيع وبمدى التركيز على الحفاظ عليها في إطار صحي.