تُعتبر الالتهابات في مرحلة الطفولة واحدة من القضايا الصحية التي قد تكون لها آثار طويلة الأمد على صحة الفرد.
كشفت دراسات حديثة أن الأطفال الذين يعانون التهابات متكررة قد يكونون أكثر عرضة لتطوير اضطرابات عقلية وجسدية في مراحل لاحقة من حياتهم.
وبحسب ما توصل إليه الباحثون، فإن الالتهابات في سن مبكرة قد تؤثر تأثيراً غير مباشر على تطور الجهاز العصبي والجهاز المناعي، ما يجعل الأفراد عرضة للإصابة باضطرابات مثل الاكتئاب، القلق، وأمراض مزمنة أخرى عند بلوغهم سن الرشد.
في مرحلة الطفولة، قد تكون الالتهابات أكثر من مجرد عارض جانبي لمرض عابر، وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة JAMA Psychiatry، فالأطفال الذين يعانون ارتفاعاً مستمراً في مستوى الالتهابات هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات صحية عقلية خطيرة، بما في ذلك الذهان والاكتئاب في بداية سن الرشد.
وأظهرت الدراسة التي قادتها جامعة برمنغهام أن الأشخاص الذين عانوا التهاباً في سن مبكرة كانوا أيضاً أكثر عرضة للإصابة بأمراض قلبية أيضية مثل مقاومة الأنسولين، وهي شكل مبكر من مرض السكري.
استخدمت الدراسة بيانات جمعتها دراسة آفون الطولية للآباء والأطفال (ALSPAC)، والمعروفة أيضاً باسم "أطفال التسعينات"، وشملت 6,556 مشاركاً، 50.4% منهم إناث. تم تحديد الالتهاب من خلال ارتفاع مستوى مؤشر الالتهاب العام البروتين المتفاعل-C (CRP) الذي سُجّل لدى المشاركين في أعمار 9 و15 و17 عاماً.
ومن بين المجموعتين اللتين تم تحديدهما بارتفاع مستمر للالتهاب طوال سنوات نموهما، اكتشف الباحثون أن المجموعة التي بلغت مستويات الـ CRP ذروتها في مرحلة الطفولة المبكرة، حوالي سن التاسعة، كانت الأكثر ارتباطاً بمخاطر مرتفعة للإصابة بالاكتئاب والذهان في سن 24.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، إدوارد بالمر من جامعة برمنغهام، إن هناك أدلّة متزايدة إلى وجود ارتباط بين الالتهاب واضطرابات نفسية مثل الذهان والاكتئاب والأمراض القلبية الأيضية، ومع ذلك لم يتم استكشاف مسارات الالتهاب المختلفة خلال الطفولة والارتباط بين هذه المسارات ونتائج الصحة العقلية والجسدية في بداية مرحلة البلوغ بما يكفي.
وعند النظر إلى البيانات الطولية، نجد أدلة قوية جداً إلى أن الالتهاب في مرحلة الطفولة المبكرة يعد عاملاً خطراً كبيراً لتطوير الفصام والاكتئاب ومقاومة الأنسولين في الحياة لاحقاً. وكانت معدلات الإصابة بهذه الاضطرابات بين المجموعة التي بلغ فيها الالتهاب ذروته في سن التاسعة أعلى بأربع إلى خمس مرات من معدلات الإصابة لدى أولئك الذين لم يعانوا التهابات.
وأضاف إدوارد بالمر أننا ما زلنا بعيدين عن إثبات ما إذا كان الالتهاب المرتفع يلعب دوراً سببياً في هذه الاضطرابات أو أنه مجرد مؤشر. ولكن من الواضح أن الالتهاب يسبق حالات المرض العقلي وربما يكون مرتبطاً باختلالات أيضية، ولذلك يجب إجراء المزيد من الأبحاث لفهم الآليات التي تحرك هذا الالتهاب. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحديد المخاطر في وقت مبكر من الحياة، وأنواع مختلفة من التدخلات المبكرة، وربما أهداف علاجية جديدة.
في النهاية، يتّضح أن الالتهابات التي تصيب الأطفال ليست مجرد مشكلة صحية وقتية، بل قد تكون لها تداعيات طويلة الأمد على صحة الفرد العقلية والجسدية. تؤكد الأبحاث الحديثة أهمية الوقاية من الالتهابات والعناية الجيدة بصحة الأطفال منذ الصغر، لما لذلك من دور في تقليل مخاطر التعرض لاضطرابات معقّدة في مراحل لاحقة من الحياة.
إن تعزيز الوعي بين الأسر والمجتمع الطبي حول هذه العلاقة يمكن أن يسهم في تحسين جودة الحياة للأجيال القادمة. لذا، يبقى التركيز على الوقاية والتدخل المبكر هو المفتاح لضمان مستقبل صحي للأطفال والشباب.