النهار

إذا لم تكن أفكارك، فمن أنت؟
المصدر: النهار العربي، مواقع علمية
في ظل الضغوط التي نعانيها في عصرنا الرقمي السريع، أصبحت ضوضاء حياتنا اليومية أمراً بديهياً. إلّا أنه في الوقت نفسه، يتأجج بركان من الأفكار في داخلنا
إذا لم تكن أفكارك، فمن أنت؟
العقل البشري هو موردنا الأساسي
A+   A-
ماذا لو أدركت ذات يوم أنك مخطئ بشأن نفسك؟ وأن "الصوت" الذي يحوم في دماغك ويملي عليك ما تفعله قد يكون بعيداً كل البعد عن حقيقتك؟
وحتى لو كنت في غرفة هادئة بمفردك، تكاد لا تسمع أنفاسك بسبب الأصوات التي تقطن داخل رأسك، وقد تعلو شيئاً فشيئاً حتى تشعر بصداع مميت لا مفرّ منه. 
 وماذا لو كان بحوزتك دواء مناسب لهذا الصداع، يسكَّن أفكارك ويهدّئ من روعك، ويغيّر نظرتك لنفسك ومحيطك؟
 
ضوضاء داخل جمجمتنا
 
في ظل الضغوط التي نعانيها في عصرنا الرقمي السريع، أصبحت ضوضاء حياتنا اليومية أمراً بديهياً. إلّا أنه في الوقت نفسه، يتأجج بركان من الأفكار في داخلنا، وكلما حاولنا إخماد نيرانه، يشتعل أكثر فأكثر. فالعقل يشبه بركة مياه هادئة: تسقط الحصاة (أي الفكرة) فيها فتثير حركتها.
 
بحسب موقع "ميديوم"، يشرح المؤلفان Steven C. Hayes و Spencer Smith في كتاب Get Out of your Mind and into your Life، [ترجمته حرفياً، أُخرج من عقلك وادخل حياتك] إمكانية أن تواجه سيناريوهات جديدة في حياتك، وأنت متمسّك بذاتك المتصوّرة.
إنه لأمر مثير للاهتمام، لكن قد تكون التجارب الجديدة بحدّ ذاتها مخيفة بالنسبة إليك.
فخلال ممارستك للتأمّل، قد تمرّ بفترة لا تخطر على بالك فكرة لوهلة، فتشعر بأنّك غير موجود، ثم يدفعك خوفك إلى التفكير في اللحظة التالية لتأكيد وجودك فحسب. وبالنتيجة، قد تعترف بأهميّة أفكارك لإثبات وجودك، أو ربما يكون ذلك الشعور الغامض يمهّد لك طريقاً غير مألوفة بعد، إذ يستخدم الإنسان عبر التأمل طاقة أخرى لينقله عقله إلى مكان أكثر سلاماً. 
 
هل تعرف من أنت؟
 
يدفعنا ذلك إلى طرح السؤال التالي، إذا لم تكن أنت أفكارك، فمن أنت؟
يتطلّب اكتساب فهم أفضل لأفكارك أن تصبح مدركاً لذاتك ولعالمك الداخلي. ويشرح لوك كيلي ذلك في كتاب Shift into Freedom [ترجمته "الانتقال إلى الحرّية"]. ويبيَّن أن من أهم الأشياء التي يجب تعلمُّها هي كيفية فصل الوعي عن التفكير، ومن ثم يمكننا أن نرى أن أفكارنا وعواطفنا ليست كل ما نحن عليه. 
 
وكذلك ذكرت ماري أومالي في كتابها What’s in the Way is The Way [حرفياً، كل ما هو آتٍ آتٍ] أن العقل خُلِقَ كأداة للتعامل مع الحياة وليس ليكون مسؤولاً عنها. فعقلنا خادم رائع، لكنه مدير رهيب، وإذا تولّى إدارة حياتك، فسيخلق صراعاً تعيش فيه ويبعدك كل البعد عن السلام والبهجة.
 
من الناحية العلميّة، يشرح التقرير الذي نشر في موقع "ميديوم" أنه لا يمكنك الاعتماد على الأفكار لتثبت إحساسك بذاتك، فما هي إلّا حلقات كهربائية عابرة في العقل، فأنت لا تعرف ما الذي ستفكر فيه حتى  تُبعَث إليك الفكرة.
أنت المتلقّي والمراقب لأفكارك، ولكنك لست الأفكار نفسها.
فضلاً عن ذلك، تستطيع أن تدرك تجربة الأفكار، وتضيف السياق والمعنى إلى ما تختبره، ثم تقيّمه إذا كان جيداً أو سيئاً بناءً على ما يجعلك تشعر به. وبصورة غريزية، يحاول الإنسان دائماً أن يبحث عن معنى في كل ما هو غامض، وذلك ليكوّن صورة أفضل عن محيطه، إلّا أن هذه الميزة قد تكون سلاحاً ذا حدّين إذا ساءت الأمور.
 
 
•الأفكار السلبية قد تكون مفيدة
 
إن أعظم انتصار يمكنك تحقيقه في تطورك الشخصي هو أن تدرك أنك لست أفكارك، وبالتالي عليك أن تنفصل عنها. في المقابل، إن ذلك الانفصال غاية يصعب تحقيقها وتتطلّب منك الانضباط والتبصر في دواخلك (الاستكشاف الذاتي).
ومما لا شكّ فيه أنّه قد تمرّ عليك أيام يخرج فيها عقلك عن السيطرة، فتواجه حالات عاطفيّة مدمّرة، وسرعان ما يخطفك إعصار التشاؤم، لكي تجد نفسك عالقاً في دوّامة من أفكارك السلبية.
إلاّ أن الحلّ الأفضل لمعظم المشكلات يكمن في مواجهتها وتقبّل هذه الأحاسيس مثل الخوف، والقلق، وذلك عبر مراقبتها وعدم الاستجابة لها. وقد يستغرق ذلك سنوات عدّة من التمرّن والتأمل، وقد تفشل مرّات كثيرة بسببها، وذلك لأنك كنت تنفّذ ما كانت تُملي هذه الأفكار عليك.
 
العقل السليم في الجسم السليم 
 
يشكّل غذاؤنا مصدراً مهمّاً لنموّنا الجسدي والعقلي. ويُقال دوماً إن العقل السليم في الجسم السليم. وربما تؤثر الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات والسكر والمشروبات المنبّهة مثل الكحول والكافيين، على أفكارك فتصبح غير منتظمة ومندفعة.
سيكون من الصعب الاستغناء عن هذه الأطعمة، إلّا أنك لن تستطيع أن تضبط أفكارك إلّا بعد أن تتناول الأكل الصحي، وتستبعد مشروبات الطّاقة من نظامك. فالسلام الداخلي يفوق بكثير لحظات المتعة التي توفّرها قطعة من الحلوى.
 
 
خطّة التصالح مع أفكارك
 
يمكن الاستعانة بالنصائح الآتية التي قد تنقلك من حالة الاضطراب الفكري إلى حالة الرضا العقلي:
1. تدوين الأفكار.
2. الانتباه للأطعمة التي تتناولها.
3. معرفة مدى تأثير الكحول والكافيين بمجرد تناولهما، خصوصاً في الساعات والأيام التالية.
4. مراقبة حالتك المزاجية على مدار اليوم مع الانتباه إلى العوامل الخارجية.
5. الانتباه من انخفاض مستويات السكر في الدم الذي يؤدي إلى استنزاف الغلوكوز في المخ، فهو عامل يؤثر على أفكارك.
 
في النهاية، قد يستغرق الأمر أعواماً عدّة من الملاحظات، فيجب أن "تخترق" صحتك وتجري التجارب عليها لمعرفة ما يمكن أن يكون صالحاً أو ضاراً لك. وكذلك يتطلّب الأمر دمجاً لأفكارك في كيانك بدلاً من محاولة إلغائها تماماً.
بعبارة أخرى، إن ما تفكّر به ليس المشكلة بحدّ ذاتها، بل باستطاعتك أن تنفصل عنه وتختار له مكاناً خاصاً في عقلك، وهكذا، تسمح لذاتك الأصيلة بالظهور. 
لا تسمح لأفكارك أن تحدّد هويّتك، بل حدّد ما تفكّر فيه، واحرص دائماً أن تعتني بصحتك النفسيّة، فهي، مثل جسدك، المكان الذي ستقطن فيه بقيّة حياتك، فلِمَ لا تجعله هادئاً وملائماً للسكن؟ 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium