قد يكون كيوبيد أسطورة ولكنّ الحبّ حقيقيّ وفوائده متعددة. ماذا لو فتحت باب الرومانسيّة ورحّبت بها في حياتك؟ حينئذٍ، قد تشاهد صحّتك تزدهر وتعمر. ماذا لو اكتشفت أنّ الحبّ قد يكون مفتاحاً للاعتناء بنفسك؟
تقول عالمة الأعصاب في جامعة أوريغون ستيفاني كاتشيوبو إنّ الحبّ ضرورة بيولوجيّة أساسيّة للإنسان تماماً كالماء والطعام الرياضة.
الحب في الدماغ قبل القلب
ويخمّن البعض أنّ القلب هو المسؤول عن الحبّ، غير أنّ الدماغ هو المسؤول الأساسي الذي يفرز هرمونات عندما ننجذب لشخص ما أو نرتبط به ونبادله شعور الحبّ.
من المهمّ جداً أن نفهم كيف يستقبل الدماغ الإشارات ويبعثها، وما الذي يحصل في جسم الإنسان عندما يفتقر إلى هذه الإشارات، إذ إنّ الدراسات قد تفيد في استيعاب عالم الصداقة والحب الفراق والفقدان.
وماذا عن الهرمونات؟ يستخدم العقل والجسم شبكة واسعة من النواقل العصبيّة والجزيئيّات الكيميائيّة التي تؤثّر على مشاعرنا. وتشكِّل الهرمونات جزءاً من نظام الغدد الصماء في الجسم. ويعني تعبير الغدد الصماء أنها تفرز هرموناتها مباشرة إلى الدم. وترتبط هذه الأخيرة بعضها ببعض من خلال هياكل أساسيّة في الدماغ تتوزع بين المنطقة المركزية العميقة في الدماغ، والتلافيف في الأقسام العليا منه.
وتُكَوِّن تلك التركيب كلها معاً ما يسمى بـ"الجهاز الحافي" [من لفظة حافة] الذي يعتبر أقدم جزء من الدماغ من حيث التطوّر. وفي هذا الجهاز تُخزّن الذكريات الروائح، وهو مسؤول أساساً عن الانجذاب والعاطفة.
هرمونات الحب السبعة
تؤدّي سبعة هرمونات في جسم الإنسان دوراً أساسياً في إطار الحبّ وأوّلها الأوكسيتوسين الذي يعرف أيضاً بـ"هرمون الحبّ" ويساعد الإنسان على بناء علاقات اجتماعيّة وتوطيدها وتطوّر شعور الانجذاب. ويفرز الجسم هذا الهرمون عندما يتحاور شخصان أو يلعبان أو يتلامسان.
وفي المقابل، أثبتت دراسات سابقة أيضاً أنّ للأوكسيتوسين جانباً ظالماً يتمثّل باسترجاع ذكريات الأحباب.
أمّا هرمون فازوبريسين فيثير المشاعر المرتبطة بالحبّ. ويجري تحفيزه بواسطة بعض السلوكيّات على نحو يماثل لما يحصل مع الأوكسيتوسين. في المقابل، تُظهر بعض الدراسات أيضاً أنّه يُفرَز حين يشعر الإنسان بالتهديد. وفي هذا السياق، هل يكون هذا الهرمون مسؤولاً أيضاً عن مشاعر الغيرة مثلاً؟
وكيف لنا أن ننسى هرمون الدوبامين الأكثر شهرةً؟ يعتبر الدوبامين من الهرمونات التي تناولها عدد كبير جداً من الدراسات العلمية، بل إن أعدادها تستمر في التصاعد.
ويجري تحفيز إفرازه من خلال كلّ ما قد يفرح الإنسان، على سبيل المثال الطعام والتمارين الرياضية. ففي العلاقات الزوجيّة، يفرز الجسم الدوبامين خلال القبل أو ممارسة الجنس ويعطي رغبة فائضة. وقد يقوم مخدّر قويّ مثل الكوكايين بتحفير هذا الهرمون أيضاً.
ومن المهمّ أن نتكلّم عن وجود التستوستيرون والإستروجين، أو "هرمونات الجنس" المسؤولة عن الرغبة البشريّة عند ممارسة الجنس.
وقد يكون هرمون النورادرينالين مسؤولاً عن التسارع في ضربات القلب في حالة الحبّ أو عن زيادة في الطاقة أو تعرّق في اليدين. وإذا كنتم تتساءلون عن السبب الذي يسمح للأزواج بتذكّر أيّام المواعدة، فلربما تكمن الإجابة في هذا الهرمون.
وأخيراً، السيروتونين هو أحد الهرمونات الذي ينخفض في مراحل الانجذاب. وقد تكون مستوياته منخفضة عند الأشخاص الذين يعانون اضطراب الوسواس القهري (OCD) والكآبة. ونشرت عالمة الأعصاب السلوكيّة في "جامعة ميسوري-سانت لويس"، ساندرا لانجيزلا، أبحاثاً حول تلك المسألة، مؤكّدةً أنّ الأشخاص الواقعين في الحبّ والمرضى المصابين بـOCD يشبهون بعضهم البعض من حيث اختبارهما الوساوس.
ويجدر القول إنّ الهرمونات لا يجري تحفيزها دائماً بشكل منفصل بل يمكن أن ينتج الجسم أكثر من مادّة كيميائيّة واحدة في الوقت عينه.
الحبّ ظاهرة تؤثّر على حواسنا ودماغنا تأثيراً عميقاً وغامضاً. حينما نقع في الحبّ أو نفترق عن حبيب، يفرز الجسم هرمونات تسهم في كيفيّة تعاملنا مع الحالة النفسيّة التي نواجهها. فصحيح ما قاله محمود درويش عن الحبّ: "ليس الحبّ فكرة، إنّه عاطفة تسخن وتبرد وتأتي وتذهب".